بعمق ، وأمّا المنهج الثاني يرى لزوم التدبر فيما يروونه بعمق ، والسـعي لرفع التعارض بين الاخبار ، وخصوصا في المسائل العقائدية.
وبعبارة أُخرى : إنّ القمّيّين قد يكونون أُصيبوا بردّة فعل ، بسبب الصراع بين عقيدتهم الصحيحة في أهل البيت وبين نزعة الحشوية المتفشيّة عند بعضهم ـ أي نزعة الجمود على الأخبار ـ وذلك لابتعادهم عن الحركة العقلية التي كان يحظى بها البغداديون في طريقة الجمع بين الاخبار ، ولوقوفهم على أخبار دالّة على النهي من الأخذ بالرأي في الأحكام من قبل الأئمّة ، فواجهوا مشكلة ، فمن جهة وقفوا على وجود هكذا أخبار في مرو يّاتهم ، ومن جهة أُخرى وقفوا على نصوص أُخرى دالّة على شرعيّة الاعتماد على العقل ، وجواز الاجتهاد في دائرة النصوص ، فاكتفوا بتوثيقات مشايخهم الثقات ووقفوا عليها ، فأخذوا يتشدّدون في أخذ الأخبار إلاّ عن الثقات وما رواه مشايخهم ، خوفا من دخول الفكر الأجنبي في صلب العقيدة. وخوفا من تزندق المتزندقة الذين يحاولون التشكيك بكل شيء ، إذ أن مصنفات الشيخ الصدوق قدسسره ناطقة ببراعته العقلية العظيمة ، وأنّه رحمهالله وكذلك مدرسة قم هم أهل نزعة عقلية ظاهرة ممزوجة مع فهم روائي ، غاية الامر أنّ الظروف التي كانت تحيط بهم تمنعهم من فتح هذا الباب على مصراعيه خوفا على المذهب.
أمّا البغداديون فكانوا يرون لأنفسهم مناقشة النصوص تبعا لقول أئمتهم في لزوم عرض كلامهم على القران والسّنّة المتواترة القطعيّة والعقل وترك ما يُخالف سيرة المتشرّعة ، فكانوا لا يأخذون العقل دليلاً مستقلاً دون النص ، بل كانوا يفهمون النص على ضوء العقل ، وبذلك صار القمّيّون ألصق بنزعة الحديث منها إلى نزعة العقل ؛ حفاظا منهم على تراث العصمة وأنّه هو المقدم في عمليات الاستدلال والاستنباط باعتبار أنّ الظروف المحيطة بهم آنذاك تدفعهم للوقوف بوجه من يريد الكيد بالمذهب الحق وتشو يه صورته.