بقي مساوق لقصر أصالة التطابق عليه ، فيكون الفرد المشتبه شبهة مصداقية لمجرى أصالة التطابق فلا يجوز التمسك بها ؛ وبعبارة اخرى : أصالة التطابق من الأحكام العقلائية ، فحجيتها تدور مدار اعتبارهم ، والفرض أنهم يحكّمون الخاص في مقام الحجية على العام ، فتصير النتيجة تضييق مجرى أصالة التطابق في طرف العام ، فالشبهة المصداقية للمخصص شبهة مصداقية لمجراها أيضا ، فافهم. فاتضح بذلك عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
ويمكن أن يقرر الدليل عليه بوجه آخر ، وهو : أن أصالة التطابق أصل عقلائي ، وليست حجيتها إلّا من جهة السيرة ، فحيث اعتبروها عملنا بها ، وحيث ردّوها أو شككنا في اعتبارهم لها رددناها ، وبذلك يظهر الفرق بين المخصص اللفظي واللّبي ، كما ذكر في الكفاية. فالأقوى هو الفرق بينهما ، كيف ولو لم يجز التمسك بها حتى في اللبيات لم يبق لنا عام جائز العمل ، فإن كل عام مخصوص عقلا بما إذا لم يزاحم ملاك حكمه بملاك أقوى واقعا ، ولا حكم من الأحكام الشرعية إلّا ويحتمل فيه عروض ملاك أقوى يرفع به الحكم التابع للملاك الأوّل ، فافهم. (١)
الفائدة الرابعة :
التمسك بعمومات العناوين الثانوية
«محل البحث : بيان ما في الكفاية من أنه لا يجوز التمسك بعمومات العناوين الثانوية إذا أخذ في موضوعاتها أحد الأحكام المتعلقة بالأفعال بعناوينها الأوّليّة وشك في فرد لا من جهة التخصيص بل من جهة اخرى كما إذا شك في صحة الوضوء او الغسل بمائع مضاف فيما إذا وقع متعلقا للنذر فيكشف صحته بعموم مثل : أوفوا بالنذور. كما هو الحال فيما إذا شك في رجحان شيء او حليته ، فلا يجوز التمسك (لإثبات الرجحان او الحلّيّة) بعموم وجوب إطاعة الوالد والوفاء بالنذر وشبهه. ثم قال : نعم لا بأس بالتمسك به في جوازه بعد إحراز التمكن منه والقدرة عليه فيما لم يؤخذ في موضوعاتها حكم اصلا.»
__________________
(١) نهاية الاصول ، ص ٣٣١.