ربما يقرر مقصود صاحب الكفاية (قده) بأن المنذور في المثال ليس هو صرف الغسلات ، بل ما يكون وضوءا شرعيا ، والقدرة عليه إنما هي بعد تشريع الشارع إياه ؛ والمفروض أنه مشكوك فيه ، فالشك إنما يكون في القدرة ، وهي مما لا يمكن إثباتها بالعموم ، وإن قلنا بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصص.
أقول : هذا صحيح لو لم يكن جعل القدرة بيد الشارع ، وأما إذا كان بيده ، كما فيما نحن فيه أمكن التمسك بعموم أوفوا بالنذور واستكشاف تشريعه له بدلالة الاقتضاء. نعم لا يجوز التمسك نظرا إلى ورود المخصص ، فليس الإشكال في المسألة زائدا على إشكال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ، هذا والظاهر أن نظر صاحب الكفاية (قده) في المقام إلى أمر آخر ، وهو أن جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية «بناء على القول به» إنما هو فيما إذا ثبت الحكم لنفس عنوان العام ، ثم طرأ عليه تخصيص ، فحينئذ يمكن أن يقال بجواز التمسك به في الأفراد المشكوك فيها ، نظرا إلى أن شمول عنوان العام لها قطعي ، وشمول عنوان المخصص مشكوك فيه ، فرفع اليد عنه بسببه من قبيل رفع اليد عن الحجة باللّاحجة.
وأما إذا لم يكن الحكم من أول الأمر ثابتا لنفس عنوان العام ، بل أخذ ـ ولو بدليل منفصل مع بعض الخصوصيات ومعنونا بعنوان خاص ثبوتي ـ موضوعا للحكم ، وكان تحقق هذا العنوان الخاص مشكوكا فيه ، فإثباته بعموم الحكم غير معقول ، إذ الفرض ثبوت الحكم لعنوان خاص ، وهو في العموم والخصوص تابع لموضوعه ، ومثال النذر من هذا القبيل ؛ فإن قوله : «أوفوا بالنذور» وإن كان بحسب الصورة عاما ، ولكنه أخذ في موضوعه بدليل منفصل خصوصية رجحان المتعلق فوجوب الوفاء ثابت لخصوص ما كان راجحا ؛ فإثبات الرجحان بعموم الوفاء من قبيل إثبات الموضوع بحكم نفسه ، وهو محال ، كما لا يخفى. (١)
الفائدة الخامسة :
تعقب الاستثناء جملا متعددة
«إذا تعقب الاستثناء جملا متعددة فهل يصحّ رجوعه إلى الجميع أم لا؟
__________________
(١) نهاية الاصول ، ص ٣٤٠.