ذلك الأمر الوجودي ، إذ البعث والزجر إنّما يوجدان من قبل المولى بداعي انبعاث العبد وانزجاره ، وهذان لا يمكن تحقّقهما إلّا في ظرف العلم بالحكم والموضوع معا ومقتضى ذلك عدم وجود البعث والزجر أيضا في ظرف الجهل بأحدهما إذ المتضايفان متكافئان قوّة وفعلا.
وإذا لم يكن حكم المخصص فعليا بالنسبة إلى الفرد المشتبه شمله حكم العام قهرا لكونه من مصاديقه ، والمانع وهو فعلية حكم المخصص مفقود.
أقول : إن كان المقصود أن إناطة الحكم بأمر وجودي مرجعها إلى أخذ العلم بالحكم والموضوع في موضوعه فهو خلاف الظاهر بل خلاف المقطوع به إذ الأحكام جعلت لذوات الموضوعات لا للمعلومة منها وهي مطلقة بالنسبة إلى العالم والجاهل.
وإن كان المقصود عدم فعلية حكم المخصّص بالنسبة إلى الفرد المشتبه فقط ؛ ففيه أوّلا ، أنّه لو سلّم ذلك لكن روح الحكم أعني إرادة المولى وكراهته موجودتان قطعا.
وثانيا ، أنّ حكم المخصّص وإن لم يحرز شموله للفرد المشتبه لكن كونه كاشفا عن ضيق الموضوع في ناحية العامّ بحسب الجدّ يكفي في عدم جواز التمسك له بالعام إذ بالمخصص يظهر أنّ حيثيّة العام بإطلاقه لم يكن تمام الموضوع لحكمه بل مقيّدة بعدم انطباق عنوان المخصّص والمفروض الشكّ في تحقّق هذا القيد فالمشتبه لم يحرز كونه مشمولا لحكم العامّ ولا لحكم المخصّص ، فتدبّر.
الفائدة الحادية عشرة :
التمسك بالعام وإحراز الخاص باستصحاب العدم الازلي (١)
الوجه الخامس : إحراز عدم المخصّص باستصحاب العدم الأزلي فينطبق حكم العامّ قهرا لتحقق موضوعه بقيده.
__________________
(١) لا يخفى أن موضوع هذه الفائدة وهو استصحاب العدم الأزلي وان كان لا يرتبط بمسائل العموم والخصوص بل يكون من مسائل الاستصحاب ولكن حيث ان الاستاذ ـ دام ظلّه ـ كان هنا بصدد البحث عن صحة إحراز الخاص باستصحاب العدم الازلي وعدمها وبيان وجوه لما ذكره الشيخ في الطهارة من أن أصالة عدم الانتساب (الى قريش عند الشك في السيادة) معوّل عليه عند الفقهاء في جميع المقامات جعل ـ دام ظلّه ـ استصحاب العدم الأزلي وجها خامسا لما عوّل عليه الفقهاء. فبهذه المناسبة ادرجنا هذه الفائدة في مباحث العموم والخصوص. اللجنة.