الأصل الآخر وكلّ منهما تعبد مستقلّ بلحاظ تحقق موضوعه وليسا معا تعبّدا واحدا حتى يورد بأن التعبّد بهما ينافي التعبّد بالمعلوم إجمالا في البين.
وبعبارة أوضح : الموضوع لكلّ واحد من الاستصحابين هو الشك في مجراه والمفروض أنه متحقق. والتعبّد بكل منهما مستقلا لا ينافي الواقع المعلوم إجمالا في البين ، لاختلاف الموضوع ولاختلاف الرتبة كما في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري. وكلّ أصل يثبت مفاد نفسه ومجراه دون لوازمه وملازماته وملزوماته. ولذا نرى التفكيك بين مفاد الأصول ولوازمها ، كما إذا توضّأ بمائع مردّد بين البول والماء ، حيث يحكم ببطلان الوضوء وطهارة البدن باستصحابهما مع العلم إجمالا بكون أحدهما خلاف الواقع. وكذا لو شك بعد الصلاة في وقوعها مع الطهارة ، حيث يحكم بصحة هذه الصلاة بقاعدة الفراغ ووجوب الوضوء للصلوات الآتية.
وقد تلخّص مما ذكرنا هنا وفي الأمر السابق أنّ المقتضي لجريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي متحقق ثبوتا وإثباتا ، بمعنى تحقق موضوعها وهو الشك وشمول إطلاق الأدلّة أيضا من غير فرق بين التنزيلية وغيرها ، وأن المانع عن إجرائها ليس إلّا لزوم المخالفة العملية للحكم المعلوم والترخيص في المعصية القطعية. هذا. والتفصيل يطلب من محلّه.
الفائدة الثامنة :
هل العلم الإجمالي كالتفصيلي في تنجيز الواقع؟
الأمر الرابع : بعد ما ثبت حجية العلم التفصيلي ذاتا وكونه علّة تامّة لتنجيز الواقع عقلا فهل العلم الإجمالي كذلك أو لا؟
ربما نسب إلى المحقق الخوانساري والمحقق القمي ـ طاب ثراهما ـ المنع وأنه بحكم الشك البدوي ، فيجري في مورده الأصول المرخّصة ، إذ الواقع لم ينكشف تمام الانكشاف ، ومرتبة الحكم الظاهري أعني الشك محفوظة في كل واحد من الطرفين ، فيشملهما إطلاقات أدلّة الأصول وإن استلزمت المخالفة العملية للعلم الإجمالي.