ولكن يمكن أن يجاب عن هذه المناقشة : بأنّ حكم الشارع بعدم الاعتناء بالشكّ بعد التجاوز أو الفراغ يكشف عن كون المأتي به بنظر الشارع مصداقا طوليّا للطبيعة المأمور بها وافيا بتمام غرضه منها ولأجل ذلك اكتفي به ، فتأمّل.
وأما في الشكّ بعد الوقت في أصل إتيان العمل فحكمه بعدم الاعتناء به كاشف لا محالة عن رفع يده عن الواقع على فرض عدم تحقق المأمور به. والداعي على ذلك تسهيل الأمر على المكلفين وهو من أهمّ المصالح في الشريعة السهلة ، إذ لو فرض بقاء فعلية الواقع كيفما كان ولو في صورة الشكّ وكونه مرادا حتميا للمولى بحيث لا يرضى بتركه أصلا لما جاز ترخيصه في تركه ولو احتمالا لكونه مناقضة صريحة. واحتمال المناقضة أيضا كالقطع بها غير معقول كما لا يخفى.
موضوع الأحكام نفس الطبائع لا المعلوم منها
الثانية : ما في كلام الاستاذ (ره) في القسم الثاني أعني الحجة الإجمالية من جواز الترخيص في البعض أو الجميع وأنّ به ينكشف تقييد إطلاق الدليل الأوّل لا يخلو تعبيره الأخير عن مسامحة ، إذ الموضوع لجلّ الأحكام الشرعية نفس الطبائع بواقعيتها ولم يؤخذ العلم بها جزء من الموضوع. فموضوع الحرمة في قوله : «لا تشرب الخمر» مثلا نفس طبيعة الخمر لا ما علم خمريّته. والأصول المرخّصة موضوعها الشكّ في الحكم الواقعي ، فهي متأخرة عن موضوع الحكم الواقعي بمراتب ، فلا يعقل أن تمسّ كرامة الأحكام الواقعية بتقييد موضوعاتها ، حيث إنّ القيد والمطلق المقيّد به في رتبة واحدة. فيجب أن يحمل كلام الاستاذ (ره) على إرادة عدم وصول التكليف الأوّل إلى مرحلة الفعلية التامة الملازمة للتنجز إلّا بسبب العلم التفصيلي.
وبالجملة فموضوع الحكم الأوّلي في مرحلة الإنشاء مطلق ، وبفعلية الموضوع يصير الحكم فعليا من جهة ، ولكن الفعلية التامة الملازمة للتنجّز تتوقف على عدم المانع عنها ويمكن أن يكون رعاية مصلحة التسهيل مانعة عنها ، فبالأصل المرخّص يكشف اشتراط الفعلية التامّة بالعلم به تفصيلا ، نظير ما قيل في جميع الأمارات والأصول المخالفة للواقع ، حيث إنّ في موارد تخلفها عن الواقع لا محيص عن رفع اليد عن فعلية الواقع وعدم وصوله إلى مرتبة التنجز من دون أن يوجب ذلك تقييدا في مرحلة الإنشاء.