لا يخفى أن المتبع في تشخيص موضوعات الأحكام ليس هو الدقة العقلية الفلسفية بل الفهم العادي العرفي ولكن الملاك دقة العرف لا مسامحاته ، فلون الدم الباقي في الثوب بعد غسله وإن كان بالدقة العقلية دما لاستحالة انتقال العرض ولكنه بنظر العرف والعادة لا يعدّ دما فلا يجب ازالته ، وكذا رائحة النجس. ولكن الصاع والمد والكر وغيرها من الأوزان الشرعية لو فرض نقص مثقال او مثقالين منها فالعرف يطلق عليها لفظ الصاع ونحوه ولكن بالمسامحة بحيث ان نفسه أيضا يتوجه إلى كونه مسامحة.
فالموضوع للحكم الشرعي هو الصاع مثلا بالدقة العرفية لا الإطلاق المسامحي. (١)
ما هو الملاك في المقادير الشرعية؟
«هل الملاك في المقادير الشرعية في الأبواب المختلفة الدقة العرفية او نظر العرف ولو بالمسامحة؟ وعلى الفرض الأوّل فاذا فرض إختلاف المقادير فما هو التكليف؟» (٢)
فلنعقد هنا مسألتين :
المسألة الأولى : موضوعات الأحكام وان كانت تؤخذ من العرف لا من العقل الدقي ولكنها تؤخذ من العرف بدقته العرفية لا بمسامحته. فالنجاسة كالدم وغيره لو أزيلت وبقيت رائحتها او لونها فالعقل وان كان يحكم ببقاء الموضوع لاستحالة انتقال العرض ولكن العرف بدقته العرفية يحكم بارتفاع العين وهو المحكّم ، ولكن المقدار كالنصاب والكر والصاع ونحوها لو نقص منه شيء يسير فالعرف وإن كان ربما يحكم ببقاء المقدار ولكنه بنحو المسامحة لا الدقة بحيث إن العرف بنفسه أيضا يتوجه إلى كونه تجوّزا ومسامحة ومثله لا يكون موضوعا للحكم بلا إشكال.
هذا ولكن قال في مصباح الفقيه ما حاصله :
«أن المسامحة العرفية قد تكون في الصدق كإطلاق المثقال او الرطل او المنّ او غير ذلك من أسماء المقادير على ما نقص عنه بمقدار غير معتد به مسامحة فهذا مما لا اعتداد به في التقديرات الشرعية ، وقد تكون في المصداق كإطلاق الذهب على
__________________
(١) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٢٣٣.
(٢) كتاب الزكاة ، ج ١ ، ص ٢٩٧.