وحيث إنّ جميع الحاجات لا ترتفع بمبادلة نفس الأمتعة بعضها ببعض ، إذ ربّما يحتاج الشخص إلى مصنوع الغير والغير لا يحتاج إلى مصنوع هذا بل إلى متاع آخر يوجد عند ثالث ، صار هذا سببا لاعتبار الأثمان بعنوان الواسطة رفعا للحاجات وتسهيلا لأمر المبادلات فيباع المصنوع الزائد بثمن معتبر ثمّ يشتري به عند الحاجة المتاع المحتاج إليه من ثالث أو يستأجر منه. فتشريع المعاملات كان أوّلا على أساس مبادلة الأمتعة على حسب الحاجات ، وإنّما جعلت الأثمان في الرتبة الثانية بعنوان الواسطة والآلة. والأثمان قد تغيّرت وتكاملت بحسب الأعصار والأمم المختلفة وتكاملهم في المدنيّة. وللبحث في ذلك محلّ آخر.
وكيف كان فمن المعاملات الدائرة في جميع المجتمعات البيع ، وهو مبادلة العين بمال معيّن سواء في ذلك مبادلة متاع بمتاع أو متاع بثمن ؛ وبعبارة اخرى لما كانت الملكيّة الاعتبارية عبارة عن إضافة خاصّة معتبرة بين المالك وملكه كان الملك أحد طرفي الإضافة ، فالبيع عبارة عن تبديل هذا الطرف من الإضافة بإزاء طرف إضافة اخرى للغير. فبالبيع يقع التبادل بين الملكين ، لا بأن تبقي الإضافة نفسها إذ هي معنى حرفي متقوّم بالطرفين ترتفع قهرا بارتفاع طرفها بل بتبادل الملكين قصدا وتبادل الإضافة أيضا بالتبع ، فتدبّر.
وأمّا في باب المواريث فالظاهر اعتبار التبدّل بين المالكين ، فالملك كأنّه يبقى في محلّه ، والمالك بموته يخلفه وارثه الذي يعتبر وجودا بقائيا له على حسب طبقات الإرث. ففي كتاب أمير المؤمنين عليهالسلام لابنه الحسن عليهالسلام : «ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأنّ شيئا لو أصابك أصابني ، وكأنّ الموت لو أتاك أتاني ...» (١)(٢)
الأمر الثالث : قول العترة الطاهرة عليهمالسلام وفعلهم وتقريرهم
لا يخفى أن قول النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وفعله وتقريره من السنّة قطعا وتكون حجّة بلا إشكال. وبعض علماء السنة يعدّون أقوال الصحابة بل وأعمالهم أيضا حجّة. وأمّا الشيعة الإماميّة
__________________
(١) نهج البلاغة ، عبده ، ج ٣ ، ص ٤٣ ؛ فيض ، ص ٩٠٧ ؛ صالح ، ص ٣٩١ ، الكتاب ٣١.
(٢) المكاسب المحرمة ، ج ١ ، ص ٩٠ الى ١٠٧.