الأمر الخامس : الاستنباط والاجتهاد (١)
أمّا الاستنباط ، ففي لسان العرب :
«نبط الماء ينبط وينبط نبوطا : نبع. وكلّ ما أظهر فقد أنبط. واستنبطه واستنبط منه علما وخبرا ومالا : استخرجه. والاستنباط : الاستخراج. واستنبط الفقيه : إذا استخرج الفقه الباطن باجتهاده وفهمه. قال الله ـ عزوجل ـ : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.)» (٢)
أقول : فكأنّ حكم الله ـ تعالى ـ ماء حياة أو شيء نفيس دفين في خلال مصادره ومنابعه يستخرجه الفقيه منها.
وأمّا الاجتهاد ، ففي لسان العرب :
«الاجتهاد والتجاهد : بذل الوسع والمجهود. وفي حديث معاذ : «أجتهد رأيي.» الاجتهاد بذل الوسع في طلب الأمر ، وهو افتعال من الجهد : الطاقة ، والمراد به ردّ القضية التي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب والسنّة ، ولم يرد الرأي الذي رآه من قبل نفسه من غير حمل على كتاب أو سنّة.» (٣)
أقول : أمّا الحديث الذي أشار إليه فهو ما رواه أبو داود والترمذي وغيرهما : ففي سنن أبي داود بسنده عن أناس من أصحاب معاذ بن جبل : أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال : «أقضي بكتاب الله.» قال : «فإن لم تجد في كتاب الله؟» قال : «فبسنّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : فإن لم تجد في سنة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا في كتاب الله؟ قال : «أجتهد رأيي ولا آلو.» فضرب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم صدره وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما يرضي رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.» (٤)
__________________
(١) لا يخفى أن المتعارف وان كان ادراج بحث الاجتهاد والتقليد في آخر الكتب الأصولية ، ولكن حيث إن هذا البحث في كلام الاستاذ ـ دام ظلّه ـ وقع في عداد امور اختلف في حجيتها الفريقان ، رأينا أن إدراجه هنا في عداد تلك الأمور كان أنسب (ولاية الفقيه ، ج ٢ ، ص ٧١ الى ١٠٩). ـ اللجنة ـ
(٢) لسان العرب ، ج ٧ ، ص ٤١٠.
(٣) لسان العرب ، ج ٣ ، ص ١٣٥.
(٤) سنن أبي داود ، ج ٢ ، ص ٢٧٢ ، كتاب الاقضية ، باب اجتهاد الرأي في القضاء.