وأمّا قوله : «من طريق القياس» ، فلعلّه أراد به أعمّ من القياس والاستحسانات العقليّة الظنية.
وقد صار لفظ الاجتهاد ، وكذا الرأي في أعصار أئمتنا عليهمالسلام ظاهرين في هذا المعنى. وبهذا المعنى وقع النهي عنهما في رواياتنا (١).
وأمّا الاجتهاد بمعنى إفراغ الواسع والطاقة في استنباط الأحكام من أدلّتها الشرعيّة من الكتاب والسنّة والعقل القطعي فهو أمر واجب ضروري لا منع فيه وليس لأحد إنكاره.
وعن أبي عبد الله عليهالسلام : «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا.» (٢)
وعن الرضا عليهالسلام : «علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع.» (٣)
والروايات الواردة في الإرجاع إلى الكتاب والسنّة في غاية الكثرة. وعلى هذا فالاجتهاد عندنا غير الاجتهاد باصطلاح السنّة.
وأمّا ما ذكره أخيرا فكأنّه أراد به نفي إرادة التصويب. والبحث فيه يأتي في العنوان التالي.
التخطئة والتصويب
لا يخفى أنّ المسائل الدينية على قسمين : فقسم منها مسائل أصليّة ضرورية أجمع عليها جميع فرق المسلمين ودلّ عليها نصّ الكتاب العزيز أو السنّة المتواترة القطعية أو العقل السليم ، والقسم الآخر فروع اجتهاديّة استنباطيّة تحتاج إلى إعمال الاجتهاد والنظر واستنباطها من الأصول المبيّنة في الكتاب والسنة أو من حكم العقل القطعي.
أمّا القسم الأوّل ، فلا خلاف فيها ولا إشكال ولا مجال فيها للاجتهاد والاستنباط.
وأمّا القسم الثاني المتوقف على إعمال الاجتهاد والنظر ، فلا محالة قد يقع فيها الخلاف لاختلاف في معاني بعض الألفاظ ، أو للاختلاف في صحة الحديث وضعفه ، أو لاختلاف الروايات المنقولة ، أو للاختلاف في أسباب الترجيح عند التعارض ، أو للاختلاف في حجيّة
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٢٠ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.
(٢) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٤١ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥١.
(٣) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٤١ ، الباب ٦ من ابواب صفات القاضي ، الحديث ٥٢.