بعض الأمور وعدم حجيّتها كالمفاهيم وخبر الواحد والإجماع ولا سيّما المنقول منه والشهرة بقسميها وكحجيّة أقوال الأئمة الطاهرين من العترة الثابتة عندنا وحجّيّة أقوال الصحابة عند بعض السنّة ، وحجيّة القياس والاستحسانات الظنيّة عندهم ونحو ذلك. ويرجع الجميع إلى الاختلاف في الدرك أو المدرك.
وفي هذا القسم قد وقع البحث في أنّ الآراء المستنبطة المختلفة كلّها حقّ وصواب ، أو أنّ الحقّ واحد منها والباقون مخطئون وإن كانوا معذورين؟
فاتفق أصحابنا الإماميّة على أنّ لله ـ تعالى ـ في كلّ واقعة خاصّة حكما واحدا يشترك فيه الجميع. وجميع المسلمين مأمورون أوّلا وبالذات بالعمل به. فالدين في جميع المراحل واحد والشرع واحد والحقّ واحد ، وإنّما الاختلاف وقع في إحراز الواقع واستنباطه من منابعه ، فأصابه بعض وأخطأه بعض آخر.
فليست الاجتهادات المختلفة في مسألة واحدة يمثّل كلّها حكم الله المنزل على رسوله وإن جاز العمل بها لأهلها في الظاهر ، وإنّما تكون آراء الفقهاء والمجتهدين طرقا محضة قد تصيب الواقع وقد تخطئه ، كما أنّ العلم الذي هو أمّ الحجج وتكون حجيّته ذاتية يكون كذلك ، وكذلك سائر الطرق والأمارات العقلائية والشرعية.
فكأنّ حكم الله الواقعي دفين في خلال مبانيه ومصادره ويستخرجه الفقيه باستنباطه ؛ فقد يعثر عليه وقد يخطئ ، ويكون للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد.
فليس الحكم الواقعي تابعا لمفاد الطريق ، مجعولا على وفقه كيفما كان ، كما لا يوجب قيام الطريق على خلاف الواقع تبدّل الواقع وانقلابه إلى مفاد الطريق.
هذا ما عليه أصحابنا الإماميّة. فهم بأجمعهم ينكرون التصويب. ويسمّون بذلك مخطّئة.
علماء السنة بين مخطّئة ومصوّبة
وأمّا علماء السنّة ففيهم خلاف : بعضهم مخطّئة ، وبعض منهم مصوّبة : قال الإمام فخر الدين الرازي في بحث الاجتهاد من كتاب المحصول :
«فإن لم يكن الله ـ تعالى ـ فيها حكم فهذا قول من قال : «كلّ مجتهد مصيب.»