المتعارضة وإعمال الترجيح فيها كان متعارفا بين أصحاب الأئمة عليهمالسلام أيضا ، كما يشهد بذلك قوله عليهالسلام : «إنّما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا» (١) هذا.
ما استدلّوا به على حجّيّة فتوى الفقيه
واستدلّوا على حجّيّة فتوى الفقيه مضافا إلى السيرة المذكورة ببعض الآيات والروايات أيضا :
١ ـ فمن الآيات قوله ـ تعالى ـ : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ ، فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). (٢)
بتقريب أنّ وجوب السؤال يستلزم وجوب القبول وترتيب الأثر عليه وإلّا وقع لغوا ، وإذا وجب قبول الجواب وجب قبول كلّ ما يصحّ أن يسأل عنه ، إذ لا خصوصيّة لسبق السؤال.
٢ ـ ومنها قوله ـ تعالى ـ : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ، فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ ، وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.)(٣)
بتقريب أنّ الظاهر من الآية بمقتضى كلمة «لو لا» وجوب النفر ، فتجب الغاية وغاية الغاية أيضا ، أعني التفقّه والإنذار وحذر القوم ، ولأنّ طبع الحذر يناسب اللزوم. والمراد بالإنذار بقرينة لفظ التفقّه في الدين هو بيان الأحكام الشرعية ، فذكر اللازم وأريد الملزوم. فتدل الآية على وجوب ترتيب الأثر على قول الفقيه المبيّن للأحكام. وإن شئت قلت إذا وجب بيان الأحكام وجب ترتيب الأثر وإلّا وقع لغوا.
٣ ـ ومنها قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ.)(٤)
فإنّ حرمة الكتمان تستلزم وجوب القبول بعد الإظهار وإلّا لزم اللغو.
٤ ـ ومنها قوله ـ تعالى ـ حكاية عن إبراهيم الخليل : (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٨ ، ص ٤١ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٥١.
(٢) سورة النحل (١٦) ، الآية ٤٣.
(٣) سورة التوبة (٩) ، الآية ١٢٢.
(٤) سورة البقرة (٢) ، الآية ١٥٩.