فإن قيل : فما الفائدة في رجوعه إليه إذا لم يجز له العمل بقوله؟
قلنا : الفائدة في ذلك أن يصير له بفتياه وفتيا غيره من علماء الإمامية سبيل إلى العلم بإجماعهم فيعمل بالحكم على يقين.» (١)
انتهى كلام الغنية.
ثمّ على فرض دلالة الآيات والروايات والسيرة على الحجّيّة التعبّدية لقول الفقيه فالاطلاع عليها وتحقيق دلالتها خارج من وسع العامي لتوقّف ذلك على الاجتهاد في هذه المسألة. إذ التقليد فيها يوجب التسلسل ، كما لا يخفى. كما أن جواز العمل بالاحتياط وتشخيص موارده وكيفيته أيضا يتوقف على الاجتهاد في هذه المسألة أو التقليد فيها.
فلا يبقى للعامي في بادي الأمر إلّا الرجوع إلى أهل الخبرة والعمل بقوله بعد حصول الوثوق والاطمئنان الذي هو علم عاديّ ، وحجّيته تكون ذاتية ، فتدبّر.
وأمّا ما قد يرى من بعض العوام من التعبّد المحض بفتوى المجتهد مطلقا من دون التفات إلى أنّه يطابق الواقع أم لا ، بل وإن التفتوا إلى ذلك وشكّوا في مطابقته له ، فلعلّه من جهة ما لقّنوا كثيرا بأنّ تكليف العامي ليس إلّا العمل بفتوى المجتهد ، وأنّ ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّه مطلقا. والظاهر أنّ هذه الجملة تكون من بقايا إلقاءات المصوّبة ، وإن تردّدت على ألسنتنا أيضا. هذا.
طريق آخر إلى مسألة التقليد
ولكن هنا طريق آخر إلى مسألة التقليد ربّما ينقدح في بعض الأذهان ، وإن كان لا يخلو من إشكال. وهو أنّ المناصب الثلاثة أعني بيان الشريعة ، وأمر القضاء ، والولاية الكبرى كلّها اجتمعت في عصر النبي الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. وفي عصر الأئمة الاثنى عشر عليهمالسلام أيضا كانت الثلاثة لهم عندنا. وفي الحقيقة كان بيان الأحكام والقضاء أيضا من شئون من له الولاية والإمامة الحقّة.
فكذلك في عصر الغيبة أيضا يكون المرجع للقضاء وللإفتاء من له الولاية الكبرى ، أعني
__________________
(١) الجوامع الفقهية ، ص ٤٨٥.