أقول : ربما يقرر الإشكال بأن الطبيعة إن أخذت مبهمة فكما أن وجودها بوجود فرد ما فعدمها أيضا بعدم فرد ما ، وإن أخذت مرسلة فوجودها بوجود الجميع وانتفائها أيضا بانتفاء الجميع. ولأحد أن يجيب عن ذلك بأن الطبيعي حيث إنه لا بشرط من الوحدة والكثرة ، فلذا يوجد في الخارج بنعت الكثرة ونسبته إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأولاد ، كما بيّن في محله ، وهو بعينه يوجد في الذهن بنعت الوحدة فهو في حدّ ذاته لا واحد ولا كثير وانما يكون تعدده وكثرته بخارجيته ، أي بتبع الوجود الخارجي ، والعدم لا خارجية له حتى يتكثر وتتكثر بتبعه الطبيعة. نعم قد يتكثر العدم ذهنا بتكثر المضاف إليه وتعدده ، ولكن المضاف إليه فيما نحن فيه واحد ، وهو نفس الطبيعة ، إذ الكلام في عدم نفس الطبيعة ، لا الأفراد ، فلا مكثر للطبيعة لا خارجا ولا ذهنا. (١)
الفائدة الثالثة :
امتياز الوجوب والندب
«هل امتياز الوجوب والندب بالشدة والضّعف أم لا؟ ومنع في المتن ، الاحتمال الأوّل بأن الأمر الإنشائي ليس قابلا للشدة والضعف بنفسه لأنه أمر اعتباري صرف ، وليست الأمور الاعتبارية قابلة للتشكيك بذواتها ...»
أقول : يمكن أن يقال : كيف لا يقع التشكيك الذاتي في الأمور الاعتبارية إذا كانت شدّتها وضعفها أيضا بالاعتبار ، إذ من الواضح إمكان أن يعتبر العقلاء تارة وجود طلب شديد واخرى وجود طلب ضعيف. كما انّ الطلب الحقيقي اعني البعث والتحريك العملي الحاصلين بأخذ يد المطلوب منه وجرّه نحو العمل قد يكون بنحو الشدة والعنف وقد يكون بنحو الضعف ، وحينئذ فيمكن أن يقال إن المقارن الشديد قرينة على أنّ المنشأ بالصيغة طلب شديد ، والمقارن الضعيف قرينة على أن المنشأ بها طلب ضعيف ، والمجردة عن المقارن خالية عن القرينة. (٢)
__________________
(١) نهاية الاصول ، ص ٢٤٧.
(٢) نفس المصدر ، ص ١٠١.