ليس في عمل العقلاء بالطرق العقلائية تعبد
أقول : يخطر ببالي من قديم الأيام إشكال في المقام وكذا في خبر الثقة وقول المفتي وحاصله انه بعد ما علمنا إجمالا بتوجه خطابات من الله ـ تعالى ـ إلينا وكوننا مكلفين إجمالا بتكاليف في أبواب العبادات والمعاملات والسياسات ونحوها فالعقل يحكم بالاحتياط في أطراف العلم الإجمالي ، وأما الأمارات فان دلّ دليل شرعي على حجيتها أخذنا بمفاد دليل الحجية وإطلاقه كما نحكم بحجية البيّنة بموثقة مسعدة بن صدقة حيث جعلتها قسيما للعلم فهي حجة حتى مع الظن بالخلاف لإطلاق الدليل وكذلك قول الثقة والمفتي إن ثبت حجيتهما بالآيات او الروايات ، وأما إذا كان الدليل على حجية هذه الأمور سيرة العقلاء وقلنا إن مفاد الآيات والروايات أيضا ليس إلّا إمضاء سيرتهم لا جعل الحجية شرعا كما هو مذاق الأصحاب في هذه الأبواب ، فالظاهر ان العقلاء لا تعبّد فيهم ولا تقليد لهم من غيرهم في ذلك بل هذه الأمور في الحقيقة طرق علمهم ووثوقهم وسكون نفسهم فكأنهم لا يعتنون إلّا بالعلم.
نعم العلم لا ينحصر عندهم في اليقين الجازم بنحو المائة في المائة بل يكتفون بالوثوق والاطمئنان إذا كان احتمال الخلاف ضعيفا جدّا ، والعقلاء غالبا يحصل لهم الوثوق بقول الثقة او أهل الخبرة او نحو ذلك ولذلك يرتّبون عليه الأثر.
وأما مع عدم حصوله لهم فلا يعتنون بها اللهم إلّا في ما لا يهمّ او فيما إذا كان مطابقا للاحتياط وأما في الأمور المهمّة فيحتاطون ولا يرتّبون الأثر على هذه الأمور إذا لم تطابق الاحتياط فاذا أراد بيع ملك له فرجع إلى المقوّم وبعد تشخيصه حصل له الظن باشتباهه وكان مقدار الاشتباه عنده كثيرا فهل يرتب الأثر على تقويمه تعبّدا او يحتاط ويرجع إلى مقوّم آخر او هيئة تقويم؟ ولو ابتلى بمرض شديد ذو خطر فرجع إلى طبيب وفرض انه ظنّ باشتباه الطبيب وكان أمره دائرا بين الحياة والموت وقدر على الرجوع إلى طبيب آخر او هيئة طبّية فهل يعمل بقول الطبيب الأوّل مع احتمال الخطر الجدي في العمل بقوله؟!
ومقتضى ما ذكرنا عدم ثبوت التقليد بمعنى الأخذ بقول الغير تعبدا عند العقلاء وإنما