تقرير إشكال التعارض بين الاستصحابين
أقول : ما ذكره من منع جريان الاستصحاب في الأحكام الكليّة لمعارضته بمثله دائما أمر أصرّ عليه هو (ره) في مباحثه الفقهيّة. وقد يستفاد من ظاهر كثير ممن حكى عنه عدم جريانه فيها بنحو الإطلاق ، ولكن المذكور في مصباح الأصول اختصاص المنع بالأحكام الإلزاميّة ، فلا مانع من جريانه في الإباحة وكذا في الطهارة من الحدث والخبث ، إذ هما لا تحتاجان إلى الجعل ، فإنّ الأشياء كلّها على الإباحة والطهارة ما لم يجعل خلافهما.
ثمّ قال :
«فتحصّل أنّ المختار في جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة هو التفصيل على ما ذكرنا لا الإنكار المطلق كما عليه الأخباريون والفاضل النراقي ولا الإثبات المطلق كما عليه جماعة من العلماء.» (١) هذا.
والشيخ الأعظم (ره) حكى في الرسائل في آخر التنبيه الثاني من تنبيهات الاستصحاب عن بعض معاصريه في تقريب ما ذكره من تعارض الاستصحابين بما لفظه :
«إذا علم أنّ الشارع أمر بالجلوس يوم الجمعة وعلم أنّه واجب إلى الزوال ولم يعلم وجوبه فيما بعده فنقول : كان عدم التكليف بالجلوس قبل يوم الجمعة وفيه إلى الزوال وبعده معلوما قبل ورود أمر الشارع وعلم بقاء ذلك العدم قبل يوم الجمعة وعلم ارتفاعه والتكليف بالجلوس فيه قبل الزوال وصار بعده موضع الشكّ ، فهنا شكّ ويقينان وليس إبقاء حكم أحد اليقينين أولى من إبقاء حكم الآخر.
فإن قلت : يحكم ببقاء اليقين المتّصل بالشكّ وهو اليقين بالجلوس.
قلنا : إنّ الشكّ في تكليف ما بعد الزوال حاصل قبل مجيء يوم الجمعة وقت ملاحظة أمر الشارع فشكّ يوم الخميس مثلا حال ورود الأمر في أنّ الجلوس
__________________
(١) مصباح الاصول ، ج ٣ ، ص ٤٨.