نعم ، يمكن أن يجاب عن النقض الأوّل بوجه آخر وهو أن يقال : إن الأثر الشرعي عبارة عمّا يثبت للشيء بجعل الشارع ، وفي باب الملاقاة ليس لنا مجعولان شرعيان : أحدهما كون ملاقي النجس نجسا ، وثانيهما كون ملاقي الطاهر طاهرا ، بل المجعول الشرعي هو الأوّل فقط ، بداهة أن طهارة الملاقي «بالكسر» ليست حاصلة بسبب طهارة الملاقى «بالفتح» ، بل كانت حاصلة قبل الملاقاة أيضا.
وبالجملة طهارة الملاقي «بالكسر» ليست من الآثار الشرعية لطهارة الملاقى ، حتى يقال : إن مقتضى كون الحكومة واقعية هو بقاء هذا الأثر بعد انكشاف الخلاف أيضا. «اللهم إلّا أن يقال» إن الطهارة ليست إلّا عبارة عن عدم النجاسة والقذارة ، كما يساعد عليه العرف أيضا ، وحينئذ فيكون المراد من كون طهارة الملاقي «بالكسر» بسبب طهارة الملاقى كون عدم نجاسته مستندا إلى عدم نجاسته استناد عدم المعلول إلى عدم علته ؛ فتأمل فإن ذلك أيضا لا يفيد ثبوت المجعولين.
ثم إنه يمكن أن يجاب بما ذكر عن الإشكال الذي أورده بعض الأعاظم في مسألة ملاقي أحد طرفي العلم الإجمالي فإن المعروف عندهم كون الملاقي طاهرا وحلالا لتعارض الأصلين في الطرفين فيبقى الأصل في الملاقي سالما عن المعارض.
واستشكل هذا البعض على ذلك بأن استصحابي الطهارة في الطرفين يتعارضان ويتساقطان ، فتصل النوبة في الرتبة اللاحقة إلى قاعدة الطهارة في الطرفين واستصحابها في الملاقي ، ثم تتعارض الأصول الثلاثة وتتساقط ، وتصل النوبة بعدها إلى استصحاب الحلّيّة في الطرفين وقاعدة الطهارة في الملاقي في عرض واحد ، فتتعارض أيضا وتصل النوبة إلى قاعدة الحلّيّة في الطرفين واستصحابها في الملاقي فتتساقط أيضا ، فيبقى الطرفان بلا أصل وتبقى قاعدة الحلّيّة في الملاقي بلا معارض ، ومقتضى ذلك حلّيّة الملاقي دون طهارته.
والجواب عن هذا الإشكال يظهر مما ذكرنا ، فإنا لا نسلم كون طهارة الملاقي أو حلّيّته متأخرة بحسب الرتبة عن طهارة الملاقى «بالفتح» أو حلّيته حتى يكون جريان استصحاب الطهارة أو الحلّيّة أو قاعدتهما في الملاقي متأخرا عن جريانها في الملاقى «بالفتح» وذلك لبداهة أن حلّيّة الملاقي «بالكسر» أو طهارته ليست أثرا شرعيا لحلّيّة الملاقى «بالفتح» أو