أقول : محصّل كلامه (ره) : أنّ العقل ـ الذي هو المحكّم في باب روابط الموالي والعبيد ـ كما يحكم بوجوب المنع عن تحقق ما هو مبغوض للمولى بنحو الإطلاق وإن صدر عن غير المكلّف ، كما إذا أراد سبع افتراس ولد المولى مثلا ، كذلك يحكم بوجوب المنع عن تحقق ما هو مبغوض الصدور عن المكلّفين ، لاشتراكهما في الملاك أعني المبغوضية للمولى ، من غير فرق في ذلك بين الرفع والدفع. هذا على فرض كون وجوب النهي عن المنكر عقليا ، وكذلك لو فرض كونه بحكم الشرع ، إذ المستفاد من أدلّته وجوب قلع مادّة الفساد والعصيان بسبب النهي وغيره مثل كسر آلات اللهو وهياكل العبادة. وهذا ينافي تجويز الشرع لبيع العنب مثلا ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا. هذا.
وقد أشار (ره) في أثناء كلامه إلى النزاع المعروف في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أن وجوبهما عقلي أو شرعي ، واختار هو كونه عقليا ، وبه صرّح المصنّف أيضا كما يأتي.
الفائدة الثالثة :
هل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عقلي أو شرعي؟
قال الشيخ في كتاب النهاية : «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضان من فرائض الإسلام.» (١)
أقول : كلامه هذا ساكت عن هذه الجهة وإن كان المتبادر منه كون وجوبهما بحكم الشرع.
وقال في الاقتصاد :
«الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بلا خلاف بقول الأمة وإن اختلفوا في أنّه هل يجبان عقلا أو سمعا : فقال الجمهور من المتكلّمين والفقهاء وغيرهم ، إنّهما يجبان سمعا ، وإنّه ليس في العقل ما يدلّ على وجوبهما ، وإنّما علمناه بدليل الإجماع من الأمة وبآي من القرآن وكثير من الأخبار المتواترة ، وهو الصحيح. وقيل : طريق وجوبهما هو العقل.
__________________
(١) النهاية ، ص ٢٩٩ ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...