المصنّف على إبطال الثاني بأنّهما لو وجبا عقلا لزم أحد الأمرين : وهو إمّا خلاف الواقع أو الإخلال بحكمة الله ـ تعالى ـ والتالي بقسميه باطل فالمقدّم مثله. بيان الشرطية أنّهما لو وجبا عقلا لوجبا على الله ـ تعالى ـ فإنّ كل واجب عقليّ يجب على كلّ من حصل في حقّه وجه الوجوب ، ولو وجبا عليه ـ تعالى ـ لكان إمّا فاعلا لهما فكان يلزم وقوع المعروف قطعا لأنّه ـ تعالى ـ يحمل المكلّفين عليه ، وانتفاء المنكر قطعا لأنّه ـ تعالى ـ يمنع المكلّفين منه ، وإمّا غير فاعل لهما فيكون مخلا بالواجب وذلك محال لما ثبت من حكمته ـ تعالى ـ» (١)
وراجع في هذا المجال المنتهى أيضا. (٢)
نكات ينبغي الإشارة إليها :
الاولى : ما هو الغرض من ايجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
الظاهر أنّ الغرض من إيجاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إيجاد الداعي وتقويته في نفوس المكلّفين لتوجههم إلى ما هو معروف وانزجارهم عما هو منكر حتى يصير المجتمع مجتمعا صالحا إسلاميا رائجا فيه الخير والصلاح ويقلّ فيه الشرّ والفساد ، وليس الغرض من إيجابهما إلجاء الناس وسلب الاختيار منهم بحيث لا يتمكن أحد من إتيان المنكر ، إذ الدار دار الاختيار والاختبار ، والكمال المطلوب للإنسان لا يحصل إلّا إذا بقي فاعلا مختارا ينتخب بحسن نيته ما فيه الخير والصلاح أو يختار بسوء سريرته ما فيه الشرّ والفساد.
قال الله ـ تعالى ـ في سورة الملك : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(٣) والبلاء لا يحصل إلّا مع الاختيار.
__________________
(١) كشف المراد ، ص ٤٢٨ ، المقصد السادس ، المسألة السادسة عشرة.
(٢) المنتهى ، ج ٢ ، ص ٩٩٣ ، كتاب الجهاد ... ، المقصد التاسع ، البحث الثاني.
(٣) سورة الملك (٦٧) ، الآية ٢.