ففي الحقيقة يكون إيجابهما بداعي تقوية الأوامر والنواهي الأولية الواردة من قبل الله ـ تعالى ـ بوساطة الأنبياء والأئمة عليهمالسلام ، وكلاهما واقعان في طريق تقوية العقل والفطرة.
وبالجملة فالغرض من إيجابهما جعل المحيط محيطا سالما إسلاميا يكثر فيه الاشتياق إلى الخير والصلاح ، لا إلجاء المكلّفين وسلب الاختيار منهم وحملهم بالإجبار على الطاعة وإن فرض قدرتنا على ذلك.
وعلى هذا فلو فرض وجوبهما على الله ـ تعالى ـ أيضا كان وجوبهما عليه أيضا على حدّ وجوبهما علينا لا على نحو الإلجاء والحمل الإجباري بحيث لا يتحقق معصية أصلا كما هو المستفاد من كلام المحقق الطوسي وبيان العلامة في شرحه وفي المنتهي حيث يظهر منهما إرادة الحمل التكويني والمنع التكويني من ناحية الله ـ تعالى ـ لو وجبا عليه وعمل بهما.
وحينئذ فيمكن أن يقال : إنّ كيفية العمل بهذين الواجبين تختلف حسب الموارد ، فإذا فرض أنّ أحدا مبسوط اليد يريد الأمر والنهي بالنسبة إلى جماعة كثيرة منتشرة في البلاد المختلفة فطريق ذلك عند العقلاء إبلاغ أوامره ونواهيه بوساطة عمّاله المتفرقين في البلاد وأمرهم بنشرهما وإبلاغهما ، لا تصدي ذلك بنفسه ومباشرته ، وعلى هذا فيمكن أن يقال : إنّ أمر الله ـ تعالى ـ عباده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإيجاب ذلك عليهم في الحقيقة أمر الله بالمعروف ونهي الله عن المنكر ، إذ الأمر بالأمر أمر والأمر بالنهي نهي ، ولا يجب تحقق ذلك بمباشرته ولا يلزم في تحقق الواجب أزيد من ذلك.
الثانية : إطار الواجبات العقلية
أنّ ما يقال من أنّ الواجبات العقلية تجب على الله ـ تعالى ـ أيضا لعدم تطرّق الاستثناء إليها لا كليّة له ، إذ لا يجري هذا في باب الإطاعة والعصيان من العناوين المنتزعة في الرتبة المتأخرة عن الأوامر والنواهي ، فإنّ وجوب الأوّل وحرمة الثاني وإن كانا بحكم العقل لكن موضوعهما العبيد في قبال الموالي ، فلا يمكن أن يجريا على الله ـ تعالى ـ نفسه ، إذ لا مولى له حتى يجب عليه إطاعته ويحرم عليه عصيانه.