أقول : لعلّ في كلامه ـ قدسسره ـ نحو خلط بين أصالة الصحة الجارية في عمل النفس ، وأصالة الصحة الجارية في عمل الغير. إذ الأولى لا تجري إلّا بعد الفراغ من العمل ، بل بعد الدخول في الغير أيضا على الأحوط ، كما هو المستفاد من بعض أخبار المسألة كقوله في موثقة ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء ...» (١) كما انّ الأحوط لو لم يكن أقوى اختصاصها بصورة احتمال التفاته حين العمل وعلمه بوجوب الأداء ، كما يستفاد من قوله عليهالسلام في موثقة بكير : «... هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» (٢) ، وفي صحيحة محمد ابن مسلم ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : «... وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك». (٣)
الفائدة الثانية :
أصالة الصحة في عمل الغير
وأما أصالة الصحّة الجارية في عمل الغير فلا تختصّ بما بعد العمل ، بل تجري في حينه أيضا. فانّ بناء الناس على إختلاف مذاهبهم على حمل أعمال الناس في عقودهم وإيقاعاتهم ونكاحهم وطلاقهم على وقوعها بنحو تصحّ عندهم. ويحمل أعمال المسلم على الصحيح عند المسلمين ولا تختص بما بعد العمل.
ألا ترى انّه يحمل عمل المتصدي لتجهيز الميّت المشتغل به على الصحة ، فيكتفى به ، وعقد الوكيل وإيقاعه على الصحّة فيعتنى بهما ، وإيجاب الموجب على الصحّة فيعقب بالقبول ، وصلاة الإمام على الصحة فيقتدى به. إلى غير ذلك من الأمثلة.
نعم ، لهم في أصالة الصحّة الجارية في معاملات الناس كلام. ومحصّله أنّ الشكّ إما أن يكون في أركان العقد وما هو من مقوّماته عند العرف ، كما إذا احتمل وقوع البيع بلا ثمن أو
__________________
(١) الوسائل ، ج ١ ، ص ٣٣١ ، الباب ٤٢ من أبواب الوضوء ، الحديث ٢.
(٢) نفس المصدر ، ص ٣٣٢ ، الحديث ٧.
(٣) الوسائل ، ج ٥ ، ص ٣٤٣ ، الباب ٢٧ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٣.