الفائدة الثالثة :
الاستدلال على حجية دعوى الفقر ونحوه بوجوه
«المبحث : هل يقبل في باب الزكاة ونحوها دعوى من ادعى الفقر أم لا؟» (١)
استدلوا لقبول الدعوى بوجوه كثيرة :
الوجه الأوّل : أصالة عدم المال ، كما في المبسوط والمنتهى.
وفيه أولا : عدم الاطّراد لعدم جريانه فيمن كان له مال فادّعى تلفه.
وثانيا : أن عدم المال وإن كان له حالة سابقة في الأزل ولكنه انتقض غالبا ، إذ يبعد جدّا عدم تموّل الشخص بمال إلى حين ادعائه. ولعل اول مال تموّله كان بحد الغنى.
وثالثا : أن الموضوع للحكم ليس هو المال وعدمه بل الفقر والغنى. واللازم كون مصبّ الأصل ما هو موضوع الحكم. فالأولى تبديله بأصالة عدم الغنى.
ورابعا : أنه مثبت ، فإن الفقر ليس صرف عدم المال أو عدم الغنى بالسلب المحصل بل بنحو المعدولة ، إذ التقابل بين الغنى والفقر بالملكة وعدمها عمن من شأنه أن يكون كذلك. فالغني من له مال فعلا أو قوة ، والفقير من عدم ذلك مع شأنيته. ومن المحتمل أيضا ان يكون الأمر بالعكس ، فالفقير من في معيشته خلّة ، والغني بخلافه. وكيف كان فإثبات الفقر بأصالة العدم مشكل. نعم ، لا يرد هذا الإشكال على من يجعل الاستصحاب أمارة ، كالقدماء من اصحابنا.
الوجه الثاني : أصالة العدالة في المسلم ، كما في المعتبر والمنتهى.
وفيه أن العدالة عبارة عن ملكة وجودية محتاجة إلى الإثبات ، واستصحاب عدم العصيان لا يثبتها. اللهمّ إلّا أن يمنع ذلك ، وتجعل عبارة عن حسن الظاهر ، أو يجعل حسن الظاهر أمارة لها. ولكن هذا أيضا أخص من المدّعى ، إذ المدّعى قبول قول المدّعي وإن لم يتصف بحسن الظاهر ، فتدبّر.
__________________
(١) كتاب الزكاة ، ج ٢ ، ص ٣٥٩.