فقال إسماعيل : يا أبة إنّ فلانا يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا دينار ، أفترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن ، فقال أبو عبد الله عليهالسلام : يا بني أما بلغك أنّه يشرب الخمر؟ فقال إسماعيل : هكذا يقول الناس. فقال : يا بني لا تفعل. فعصى إسماعيل أباه ودفع إليه دنانيره فاستهلكها ولم يأته بشيء منها ، فخرج إسماعيل وقضى أنّ أبا عبد الله عليهالسلام حجّ وحجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت ويقول : اللهم آجرني واخلف عليّ فلحقه أبو عبد الله عليهالسلام فهمزه بيده من خلفه وقال له : يا بني فلا والله ما لك على الله هذا ، ولا لك أن يأجرك ولا يخلف عليك وقد بلغك أنّه يشرب الخمر فائتمنته ، فقال إسماعيل : يا أبة إني لم أره يشرب الخمر إنّما سمعت الناس يقولون ، فقال : يا بني إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول في كتابه : (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) يقول : يصدّق الله ويصدّق للمؤمنين ، فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم ولا تأتمن شارب الخمر ، إنّ الله ـ عزوجل ـ يقول في كتابه : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) فأيّ سفيه أسفه من شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب ولا يشفع إذا شفع ولا يؤتمن على أمانة فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على الله أن يأجره ولا يخلف عليه.» (١)
فمفاد هذه الصحيحة أنّ شياع أمر بين الناس وشهادة المؤمنين به أمارة معتبرة على ما شاع فيجب ترتيب الأثر عليه فإذا شهدوا مثلا بكون أحد شاربا للخمر صار مصداقا لما دلّ على أنّ شارب الخمر لا يزوّج ولا يشفّع ولا يؤتمن. ولا تنحصر حجيّته في موضوع خاصّ كشارب الخمر مثلا ، بل تجري في كلّ مورد تحقّق الشياع والاستفاضة كما هو الظاهر من الصحيحة.
والظاهر أنّ إسماعيل لم يحصل له العلم ولا الوثوق من الشياع وإلّا لم يكن يتخلّف عن علمه ووثوقه في ماله الذي كان يهتمّ به كثيرا فيستفاد من الحديث حجيّة الشياع ولو لم يفد العلم ولا الوثوق.
نقد اعتماد العلمين : النراقي وصاحب الجواهر على الدليل الخامس
أقول : لعلّ هذا الدليل أحسن ما أستدل به في المقام ، واعتمد عليه صاحب الجواهر
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٣ ، ص ٢٣٠ ، الباب ٦ من كتاب الوديعة ، الحديث ١.