هل الواجب مطلق المقدمة أو ما قصد به التوصل أو خصوص الموصلة؟
أقول : ولبعض أعاظم المحققين في هذا المقام بيان في إثبات اعتبار قصد التوصل في وقوع المقدمة على صفة الوجوب ، ولا بأس بالإشارة إليه مع ما فيه فنقول : قد أسس المحقق المزبور بنيان كلامه على مقدمتين :
الأولى أنّ الجهات التعليلية في الأحكام العقلية كلها راجعة إلى الحيثيات التقييدية ؛ فالواجب في باب المقدمات بحسب الحقيقة هو التوصل إلى ذي المقدمة لأنّه الملاك لوجوب المقدمة ، وقد قلنا : إن الوجوب في الوجوبات العقلية للجهات بحسب الحقيقة. الثانية أن كل حكم من الأحكام إنما يتعلق في الحقيقة بما يقع من الطبيعة معلولا للإرادة ، لا بمطلق الطبيعة ، إذ هو جامع لما يقع منها بالإرادة ولما ليس كذلك ؛ والتكليف بالنسبة إلى ما لا يقع منها بالإرادة تكليف بأمر غير اختياري. ففيما نحن فيه بعد ما ثبت في المقدمة الأولى أنّ الوجوب بحسب الحقيقة يتعلق بالتوصل ، نضيف إليه هنا أنه يتعلق بالتوصل المعلول للإرادة والقصد ، فثبت المطلوب. هذا ملخص كلامه.
أقول : وفي المقدمة الثانية نظر ، إذ الميزان في اختيارية الفعل ومقدوريته كون الفاعل بحيث إن أراده فعله وإن لم يرده لم يفعله ؛ وصدق الشرطية لا يستلزم صدق الطرفين وإلّا لما كان عدم الممكنات مقدورا للحق تعالى ،
هذا مضافا إلى أن التكليف إنما يتعلق بالطبيعة المهملة الجامعة لما يوجد منها بالإرادة ولما ليس كذلك ، والجامع بين الاختياري وغير الاختياري اختياري بالضرورة ، كما هو واضح. ثم إن ما ذكره «من أن الملاك لوجوب المقدمة هو التوصل بها إلى ذي المقدمة» أمر قد اختاره في قبال المحقق الخراساني فإنه قال في كفايته : «إن الملاك لوجوب كل مقدمة والغرض منه هو التمكن من ذي المقدمة بالنسبة إلى هذه المقدمة» وقد ردّ عليه هذا المحقق بأن التمكن من ذي المقدمة ليس معلولا لوجود المقدمة ، بل معلول للتمكن منها ، ولنا في هذا الأمر أيضا إشكال لا مجال لذكره فتدبّر. (١)
__________________
(١) نهاية الاصول ، ص ١٩٣.