فرق بين الكبيرة وغيرها فلم خصّت بالذكر؟
قلت : الكبيرة ذكرت في كلام السّائل ولعله كان مرتكزا في ذهنه ما يعتقده بعض ، من كون فعل الكبائر مخرجا عن الإسلام ، والإمام عليهالسلام ردّ هذا الاعتقاد. وما احتاطه بعض محشّي العروة من كون إنكار الكبيرة موجبا للكفر فمأخذه هذان الحديثان وليس الملاك حينئذ عنوان الضروري بل عنوان الكبيرة وبينهما عموم من وجه وقد عرفت جريان الاحتمالات الاربعة في الحديثين فيمكن حملهما على صورة الإنكار عن علم كما كان الاعتراف أيضا في مورد العلم.
وقد تلخص مما ذكرنا في جواب الروايات التي ربما يتوهم دلالتها على كون إنكار الضروري بنفسه موجبا للكفر أولا أن الكفر في كثير منها ذكر في مقابل الإيمان لا الإسلام وثانيا اشتمال اكثرها على لفظ الجحود وهو يختص بصورة الإنكار عن علم وثالثا أن المحتملات فيها أربعة وأظهرها بحسب الإطلاق الأوّل ، ولكن حيث لا يلتزم به أحد يكون أظهر الثلاثة الباقية ، الأخير أعني صورة كون الإنكار عن علم ولو منعت الأظهرية بطل الاستدلال مع الاحتمال فلا دليل على خصوص عنوان الضروري.
الاستدلال للمسألة بأخبار أخر ونقده
وهنا ثلاث روايات أخر تشتمل على مضمون آخر ربما يتفاوت مع ما سبق :
الأولى : رواية زرارة ، عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا» (١).
ولا يخفى ان المراد بالعباد في الحديث ليس مطلق العباد بل الذين لهم سابقة الإسلام ولكن قد يعرض لهم شبهات في بعض المسائل وهذا كثير ولا سيما للشبّان في أعصارنا وليس المراد بالجهل الجهل المطلق وإلّا لم يناسب الجحد فانه الإنكار عن علم كما عرفت ، فالمراد أن المسائل التي يعلم الإنسان إجمالا بكونها من الدين ولكن يعرض له بسبب إلقاء الشيطان شبهة آنية فيها لو لم ينكرها الإنسان جزما بل توقف فيها مقدمة للسؤال والتفحّص لم يخرج بذلك من الدين ، والإنسان لا يخلو غالبا من شك ومن يهتم بذلك ويتعقبه بالسؤال و
__________________
(١) اصول الكافي ، ج ٢ ، ص ٣٨٨ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الكفر.