فإن قلت : فرق بين باب العلم والجهل وبين ما نحن فيه ، فإن البعث والزجر إنما يصدران عن المولى ، بداعي انبعاث العبد وانزجاره ، فإذا اطّلع المولى على كون الحيثيتين متصادقتين فكيف يعقل أن تنقدح في نفسه الإرادة والكراهة بالنسبة إليهما بإطلاقهما ؛ فعلى هذا يجب عليه تقييد متعلق الأمر ليجمع بين الغرضين.
قلت : بعد كون المشتمل على المصلحة عبارة عن نفس الحيثية الصلاتية مثلا يصير تقييدها جزافا إذ الفرض عدم دخالة القيد في المصلحة. وبالجملة ليس للبعث أو الزجر التخطي عن دائرة ما اشتمل على المصلحة أو المفسدة ، نعم ، إن لم يكن إيجاد المحبوب مقدورا للعبد لم يكن للمولى الأمر به ، ولكن الفرض كونه مقدورا لوجود المندوحة. (١)
تصوير آخر لاجتماع الأمر والنهي
«المحرّم المضطر إليه بسوء الاختيار إذا كان مقدمة لواجب أهم كالخروج من الأرض المغصوبة هل هو واجب لكونه مقدمة للتخلص من تلك الأرض كما قال به الشيخ أم لا؟.»
أقول : يظهر من مجموع كلام سيدنا الأستاذ ـ مد ظلّه العالي ـ أنه في أصل الكبرى موافق للشيخ قدسسره ومخالفته معه في الصغرى فقط. بيان ذلك : أن المسألة المبحوث عنها هي حكم المحرم المضطر إليه بسوء الاختيار إذا كان مقدمة لواجب أهم ، فاختار الشيخ كونه مأمورا به فقط ، واختار المحقق الخراساني عدم كونه مأمورا به ، ولا منهيا عنه مع جريان حكم المعصية عليه ، ويظهر من كلام سيدنا الأستاذ ـ مد ظلّه ـ أنه يوافق الشيخ في ذلك ، وإنما يخالفه في مثال الخروج من جهة عدم كونه من صغريات المسألة ، كما يظهر ذلك من قوله ـ مد ظلّه ـ في جواب كلام الشيخ : «إن قياس الخروج على شرب الخمر قياس مع الفارق ، فإن شرب الخمر مقدمة لواجب أهم (أعني حفظ النفس) ، والخروج ليس مقدمة لواجب من جهة أن الموجود في باب التصرف في ملك الغير حكم واحد وهو الحرمة».
ثم اعلم أنه على فرض مقدمية الخروج للواجب ربما يقرب إلى الذهن قول صاحب
__________________
(١) نهاية الاصول ، ص ٢٥٩.