الفصول ، فإن المكلف قبل دخوله في أرض الغير كان متمكنا من ترك التصرف بأنحائه ، كما كان متمكنا في أول الأمر من فعله كذلك بأن يدخل فيها ، فإنه بدخوله فيها يتحقق منه جميع أنحائه ، غاية الأمر كونه بالنسبة إلى نفس الدخول بلا واسطة ، وبالنسبة إلى ما يستتبعه من مقدار الخروج أو البقاء توليديا مختارا بنفس اختيار سببه ، فلمّا كان قبل الدخول متمكنا من أنحاء التصرف فعلا وتركا توجه إليه النهي عن الجميع ، ولكن لا بعنوان الدخول أو البقاء أو الخروج ، بل بعنوان التصرف في مال الغير ، وقد وقع العصيان بالنسبة إلى الجميع بصرف الدخول ، وأما بعده فلمّا كان يمكنه البقاء كما يمكنه الخروج صار الخروج بعنوانه في مقابل عنوان البقاء ذا مصلحة ، فيأمر المولى بصرف المقدار المضطر إليه في الخروج ، لا في البقاء ويخرج النهي حينئذ من الفعلية من جهة الاضطرار ، فتدبر. (١)
المعاملة على الأعمال المحرّمة ليس من قبيل اجتماع الأمر والنهي
«محل البحث : هو أنّ حرمة المعاملة على الأعمال المحرّمة وضعيّة كانت او تكليفية فقط ، وان كان موضوعا فقهيا ولكنه لا يخلو من الإشارة إلى قواعد اصولية منها : ملاحظة النسبة بين أدلة وجوب الوفاء بالعقود وأدلة حرمة الأعمال المحرّمة.» (٢)
قال في مصباح الفقاهة ما ملخّصة :
«أنّ محلّ الكلام في المسائل الآتية إنّما هو في الأعيان المحرّمة كالخمر والخنزير ونحوهما. وأمّا الأعمال المحرمة كالزنا والنميمة والكذب والغيبة ونحوها فيكفي في فساد المعاملة عليها الأدلّة الدالّة على تحريمها إذ مقتضى وجوب الوفاء بالعقود وجوب الوفاء بالعقد الواقع عليها ، ومقتضى أدلّة تحريمها وجوب صرف النفس عنها وإيقاف الحركة نحوها ، فاجتماعهما في مرحلة الامتثال من المستحيلات العقليّة. وعلى أقل التقادير فإنّ أدلّة صحّة العقود ووجوب الوفاء بها مختصّة بحكم العرف بما إذا كان العمل سائغا في نفسه.
__________________
(١) نهاية الاصول ، ص ٢٧٧.
(٢) المكاسب المحرمة ، ج ١ ، ص ١٧٤.