كما يحتمل بعيدا أنّ الشيخ أيضا أراد من قوله : «بقصد ترتّب الأثر المحرّم» ذلك أي قصد البائع حلّيّة الآثار المحرّمة تشريعا.
ولكن يرد على ذلك ما مرّ أوّلا : من أنّه ليس كلّ من يقدم على معاملة محرّمة يريد التشريع وإدخالها في الشريعة.
وثانيا : أن سراية الحرمة في التشريع إلى نفس العمل محلّ كلام بينهم.
الفائدة الثانية :
ما هو المراد من الحرمة في المعاملات المحرّمة؟
وفي الختام نقول تتميما للبحث : حيث إنّ المعاملة في المعاملات المحرّمة فاسدة من رأس لا يترتّب عليها أثر شرعا ويكون وجودها من جهة الأثر كالعدم لا محالة ، ومن ناحية اخرى لا بدّ في بعضها من القول بالحرمة التكليفيّة المؤكدّة أيضا كالربا الذي درهم منه أشدّ عند الله من ثلاثين زنية بذات محرم (١) والآكل له في معرض الحرب من الله ورسوله ، وكبيع الخمر التي لعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها عشرة ، ومنها بائعها ومشتريها وآكل ثمنها ، (٢) لوضوح أنّ هذه التأكيدات ليست بجهة فساد المعاملة والتصرّف في مال الغير فقط ، فلأجل ذلك وقع الإشكال في تعيين موضوع الحرمة التكليفيّة ، ووقع الأعلام لأجل ذلك في حيص وبيص.
ولا يخفى أنّ الموضوع لها لا بدّ أن يكون من أفعال المكلّفين وتحت اختيارهم ، والذي يصدر عن المكلّف في المعاملات ويكون فعلا له حلالا كانت المعاملة او حراما هو الإنشاء لها بالقول او الفعل ، ولا يصدق عليه المعاملة عرفا إلّا إذا كان ناشئا عن قصد جدّي ، والمنشأ أيضا من حيث انتسابه إلى الفاعل عبارة اخرى عن الإنشاء إذ نسبة المنشأ إلى الإنشاء نسبة الوجود إلى الإيجاد ، وقد حقّق في محلّه اتحادهما ذاتا واختلافهما بحسب الاعتبار فقط ، فبالإضافة إلى الفاعل يقال له الإيجاد وبالإضافة إلى القابل يقال له الوجود. وعلى هذا فالحرام هو الإنشاء الناشي عن قصد جدّي ، وهو الحلال أيضا في المعاملات المحلّلة ، فتدبّر.
__________________
(١) الوسائل ، ج ١٢ ، ص ٤٢٣ ، كتاب التجارة ، الباب ١ من أبواب الرّبا ، الحديث ٤.
(٢) نفس المصدر ، ج ١٧ ، ص ٣٠٠ ، كتاب الأطعمة والأشربة ، الباب ٣٤ من أبواب الأشربة المحرمة.