قلت : الجعل في قوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وإن كان جعلا واحدا ولكن مقتضى عمومه الاستغراقي تكثر الحكم بتكثر أفراد الموضوع ، فكلّ فرد من العقد بعد تحققه في الخارج يصير محطّا للحكم المجعول قهرا ، فإذا فرض اتحاده خارجا مع عنوان آخر مبغوض فلا محالة يكون الحكم الفعلي فيه تابعا لأقوى الملاكين ، وفي أمثال المقام يترجح جانب الحرمة قهرا ، فتدبّر.
الفرق بين متعلقات الأحكام وموضوعاتها
والعمدة وجود الفرق بين متعلقات الأحكام ، أعني أفعال المكلفين ، وبين موضوعاتها ، أعني الأمور الخارجية التي يتعلق بها أفعال المكلفين كالعقود في المقام المتعلق بها الوفاء الواجب ، فإنّ المتعلق للحكم في مرحلة الجعل والتشريع نفس طبيعة فعل المكلف الواجد للملاك لا وجوده الخارجي ، بل وجوده الخارجي مسقط للحكم ، فإذا كان بين الفعلين عموم من وجه كالصلاة والتصرف في أرض الغير مثلا لم يكن بين الحكمين المتعلقين بهما تزاحم في مرحلة الجعل والتشريع ، والمكلف يقدر على التفكيك بينهما في مرحلة الامتثال ، فلا وجه لتقييد أحدهما بعدم الآخر في مرحلة الجعل بعد كون الملاك للطبيعة بإطلاقها.
وأمّا الموضوع للحكم فهو عبارة عن الوجود الخارجي الذي يتعلق به فعل المكلف ، فالملحوظ في مرحلة الجعل وإن كان هي الطبيعة لكنها جعلت مرآة لوجوداتها الخارجيّة ، وكلّ فرد منها بعد وجوده في الخارج يصير محطّا لحكم الشرع ، فإذا فرض كون وجوده في الخارج متحدا مع عنوان مبغوض فلا محالة يتزاحم الملاكان ويكون الحكم تابعا لأقواهما ملاكا ولازمه التخصيص في الدليل الآخر لبّا.
وهذا نظير قوله : «أكرم العلماء» وقوله : «لا تكرم الفسّاق» ، حيث يتزاحم الملاكان في العالم الفاسق فيتعارض الدليلان فيه ويكون الحكم في مرحلة الجعل تابعا لأقواهما ملاكا ويتصرف في الدليل الآخر.
وبذلك يظهر المناقشة على كلام الأستاذ المرحوم آية الله العظمى البروجردي ـ طاب ثراه ـ حيث عدّ المثال من باب التزاحم المصطلح على ما كتبنا عنه في نهاية الأصول ، وناقشناه في ذيل كلامه بأنّ المثال من قبيل تعارض الدليلين لا من قبيل التزاحم المصطلح ،