ثم لا يخفى : أنّ ما ذكر كان على فرض إثبات التحريم من جهة الإعانة على الإثم أو المسامحة في دفع المنكر ، وأمّا إذا استفدنا من الروايات الحاكية للعن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الخمر وغارسها وعاصرها وبائعها ومشتريها كون بيع العنب لها أيضا مبغوضا ومحرّما بالذات بطريق أولى ولو لم يكن عن قصد ـ كما مرّ بيانه ـ فالحرمة وقعت ـ على هذا ـ على نفس عنوان البيع فكان الأمر أوضح ، لما مرّ من الوجهين لبيان أنّ حرمته تلازم الفساد ، فتدبّر. (١)
الفائدة الخامسة :
أنحاء مقدمة الحرام
«هل يكون قبح اكل الحرام وشربه في حق الجاهل ثابتا أم لا؟ ويبحث هنا مضافا إلى بيان وجه ثبوته عن :
١ ـ كيفية جعل الأحكام الواقعية ومسألة التصويب.
٢ ـ أدلة البراءة في قبال ملاكات الأحكام الواقعية.» (٢)
إنّ الأحكام الواقعيّة ـ كما ثبت في محلّه ـ ليست مقيّدة بعلم المكلّفين وإلّا لزم التصويب المجمع على بطلانه ، وهي عند العدلية تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمرية ، والغرض من البعث او الزجر ليس إلّا تحصيل المصالح الملزمة والاجتناب عن المفاسد.
غاية الأمر أنّ الجاهل بجهله ربّما يكون معذورا ظاهرا وغير معاقب على المخالفة بسبب جهله.
وأمّا المكلف العالم بالحكم والموضوع فكما يحرم عليه مخالفة الأوامر والنواهي الواردة بالمباشرة فكذلك يحرم عليه التسبيب إلى مخالفتها بإلقاء الجاهل فيها ، لأنّ مناط الحرمة ليس إلّا حفظ أغراض المولى.
وأدلّة البراءة وإن جرت بالنسبة إلى الجاهل المباشر ولا يكون عاصيا لكن الحكم الواقعي باق بملاكه ، فكما لا يجوز للعالم مخالفة التكليف بنفسه لا يجوز له أيضا إلقاء الجاهل فيها.
__________________
(١) المكاسب المحرّمة ، ج ٢ ، ص ٣٧٣ إلى ٣٧٩.
(٢) نفس المصدر ، ص ١٩.