وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما
جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٤) و (١٠٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى - لمّا ذمّ أهل الكتاب ، بكونهم ضالّين في أنفسهم مضلّين لغيرهم - أمر المؤمنين بالسّعي في إرشاد غيرهم ، والاهتمام بهداية أبناء نوعهم ، بعد أمرهم بالثّبات على الإيمان ، والسّعي في تكميل أنفسهم ، والقيام بطاعة ربّهم ، على خلاف أهل الكتاب ، بقوله : ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ وجماعة كاملة النّفس ، عالمة بالمعارف الإلهيّة والأحكام الشّرعيّة ﴿يَدْعُونَ﴾ النّاس ﴿إِلَى الْخَيْرِ﴾ وما فيه صلاح الدّين والدّنيا ، من التّديّن بالإسلام ، والتزام الطّاعات ، والتّخلّق بالأخلاق الكريمة ، والتنزّه من الصّفات الذّميمة ﴿وَيَأْمُرُونَ﴾ العباد ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ وما استحسنه الشّرع والعقل ﴿وَيَنْهَوْنَ﴾ الجهّال ﴿عَنِ﴾ ارتكاب ﴿الْمُنْكَرِ﴾ وما استقبحه الشّرع والعقل. وفي تخصيصهما بالذّكر إيذان بغاية فضلهما.
ثمّ وعدهم بأفضل الثّواب بقوله : ﴿وَأُولئِكَ﴾ الجماعة القائمة بالدّعوة إلى الله بأصنافها ﴿هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ والفائزون إلى كلّ (١) مطلوب.
في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : « من أمر بالمعروف ، ونهى عن المنكر [ كان ] خليفة الله في أرضه ، وخليفة رسوله ، وخليفة كتابه » (٢) .
وعن أمير المؤمنين عليهالسلام : « أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر » .
وعنه عليهالسلام : « من لم يعرف بقلبه معروفا ، ولم ينكر منكرا ، نكّس وجعل أعلاه أسفله » (٣) .
وعن الصادق عليهالسلام : « الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى ، فمن نصرهما أعزّه الله ، ومن خذلهما خذله الله » (٤) .
أقول : يحتمل أن يكون المراد من قوله : ( خلقان من خلق الله ) أنّهما حكمان من أحكام الله ، أو أنّهما موجودان من الموجودات الجوهريّة في عالم الصّور ، يظهران في القيامة بصورتهما المثاليّة ، كما تظهر الصّلاة والصّوم بصورة ، والقرآن بصورة.
وعن ( التهذيب ) : عن النبيّ صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، وتعاونوا على البرّ [ والتقوى ] ، فإن لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات ، وسلّط بعضهم على
__________________
(١) كذا ، والظاهر : والفائزون بكلّ.
(٢) تفسير الرازي ٨ : ١٦٨.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ١٦٨.
(٤) الكافي ٥ : ٥٩ / ١١ ، تفسير الصافي ١ : ٣٣٩.