الموجب لخسارة الدّنيا والآخرة (١) .
أقول : إذا كان وجود الإمام مرتبطا بالنّظام الأتمّ - كما أنّ وجود القلب والعقل مرتبط بنظام الجمعيّة الإنسانيّة - كان واجبا على الله نصبه ، والدّلالة عليه ، وإيجاب طاعته ، وإلّا لزم خلاف الحكمة واللّطف ، ولا يمكن تفويض تعيينه ونصبه إلى الخلق ؛ لأنّه موجب للاختلاف والفرقة ، ونقض الغرض ، كما وقع ذلك في السّقيفة وفي الصّحابة بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله.
وأمّا نهيه صلىاللهعليهوآله عن مفارقة الجماعة فلا شبهة في أنّ مقصوده الجماعة التي تكون على الحقّ ، لا كلّ جماعة ، لوضوح أنّ إبراهيم فارق جماعة أهل العالم ، ولم يكن ملوما مذموما ، وبعد دلالة الأدلّة القاطعة على نصب الله عليّا عليهالسلام للخلافة تعيّن أنّ الجماعة الذين أمرنا باتّباعهم ، وبالدّخول فيهم ، هم : سلمان ، وأبو ذرّ ، ومقداد ، وعمّار ، وأضرابهم لا الجماعة الذين بايعوا أبا بكر ، ونقضوا البيعة.
﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ
فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٦) و (١٠٧)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في الوعد على الاجتماع ، والوعيد على التفرّق والاختلاف ، بقوله : ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ﴾ كثيرة بنور الإيمان وضياء الملكات الجميلة ﴿وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ كثيرة بظلمة الكفر ، وكدرة الأخلاق السّيّئة.
ونصب ( يوم ) إمّا لكونه ظرفا لمتعلّق الجار ، أو لكونه مفعولا ل ( اذكروا ) المقدّر.
قيل : يوسم أهل الحقّ ببياض الوجه ، والصّحيفة ، وسعي النّور بين أيديهم وبأيمانهم. وأهل الباطل بأضداد ذلك.
وقيل : إنّ بياض الوجه كناية عن الفرح والسّرور بالفوز بالمطلوب ، وسواده كناية عن الخيبة منه ووصول المكروه ؛ كما قال تعالى : ﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾(٢)
ثمّ بعد بيان سيماء الفريقين من الحسن والقباحة بيّن سبحانه معاملته معهما بقوله : ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ﴾ يقال لهم توبيخا وتقريعا : ﴿أَ كَفَرْتُمْ﴾ بالرّسول صلىاللهعليهوآله وبدين الإسلام ﴿بَعْدَ إِيمانِكُمْ﴾ وتصديقكم عن صميم القلب ، واعترافكم لسانا وجنانا بهما ؟ !
عن أبيّ بن كعب : أي في عالم الذّرّ (٣) .
__________________
(١) تفسير روح البيان ٢ : ٧٦.
(٢) النحل : ١٦ / ٥٨.
(٣) مجمع البيان ٢ : ٨٠٨.