ليس فيها شائبة الجور من انتقاص الثّواب عن حدّ الاستحقاق ، وزيادة العقاب عليه ﴿وَمَا اللهُ﴾ الحكيم الغنيّ المنزّه من كلّ نقص وعيب ﴿يُرِيدُ ظُلْماً﴾ بوجه من الوجوه ولو مثقال ذرّة ﴿لِلْعالَمِينَ﴾ من الأوّلين والآخرين ، فإذا لم يمكن تحقّق إرادته منه تعالى لكونه من أقبح القبائح ، فكيف يمكن صدوره منه تعالى ؟ لوضوح أنّ العاقل لا يرتكب القبيح إلّا للجهل ، أو شدّة الضرورة والحاجة.
﴿وَلِلَّهِ﴾ وحده بالملكية الحقيقيّة الإشراقيّة ﴿ما﴾ وجد ﴿فِي السَّماواتِ﴾ السّبع كلّها ﴿وَما﴾ يكون ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ كافّة من الموجودات الخارجة من الحصر ﴿وَإِلَى اللهِ﴾ وإلى حكمه وقضائه خاصّة ﴿تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ من الإيجاد والإعدام ، والإحياء والإماتة ، والتّصرّف والتّربية ، والإثابة والعقوبة ، لا يشركه فيها ندّ ، ولا يزاحمه فيها ضدّ ، فإذن كان علمه بلا نهاية ، وقدرته بلا غاية ، وغناؤه غير محدود ، وعطاؤه غير مجذوذ.
﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ
الْفاسِقُونَ (١١٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى - بعد أمر المؤمنين بالاتّفاق على الحقّ ، والدّعوة إلى طاعته ، ونهيهم عن الفرقة والاختلاف ، ووعد المطيعين ، ووعيد العاصين - مدح المتّفقين السّاعين في الإرشاد منهم ، بقوله : ﴿كُنْتُمْ﴾ في علمي ، وفي اللّوح المحفوظ عندي ﴿خَيْرَ أُمَّةٍ﴾ من الامم ، وأفضلهم في العالم.
عن الصادق عليهالسلام قال : « يعني الأئمّة (١) التي وجبت لها دعوة إبراهيم عليهالسلام ، فهم الأمّة التي بعث الله فيها ومنها وإليها ، وهم الامّة الوسطى ، وهم خير أمّة اخرجت للنّاس » (٢) .
وعن العياشي : عنه عليهالسلام قال : « في قراءة عليّ : ( كنتم خير أئمّة اخرجت للنّاس ) ، قال : هم آل محمّد صلىاللهعليهوآله » (٣) .
وعنه عليهالسلام قال : « إنّما نزلت هذه الآية على محمّد فيه وفي الأوصياء خاصّة ، فقال : ( أنتم (٤) خير أئمّة اخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ) هكذا نزل بها جبرئيل ، وما عنى بها إلّا محمّدا وأوصياءه » (٥) .
__________________
(١) في تفسير العياشي : الامّة.
(٢) تفسير العياشي ١ : ٣٣٥ / ٧٦٩ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٣.
(٣) تفسير العياشي ١ : ٣٣٥ / ٧٦٧ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٢.
(٤) في تفسير العياشي : كنتم.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٣٣٥ / ٧٦٨ ، تفسير الصافي ١ : ٣٤٢.