للمباهلة ، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم ، السيّد والعاقب والأهتم : إن باهلنا بقومه باهلناه ، فإنّه ليس نبيا ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله ، فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلّا وهو صادق.
فلمّا أصبحوا جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن ، والحسين عليهمالسلام ، فقال النّصارى : من هؤلاء ؟ فقيل لهم : إنّ هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب ، وهذه ابنته فاطمة ، وهذان ابناه الحسن والحسين عليهمالسلام ، ففرقوا وقالوا لرسول الله صلىاللهعليهوآله : نعطيك الرّضا فاعفنا من المباهلة ، فصالحهم رسول الله صلىاللهعليهوآله على الجزية وانصرفوا (١) .
في أن ابن البنت ابن حقيقة
قال الفخر : هذه الآية دالّة على أنّ الحسن والحسين ابنا رسول الله ، حيث وعد أن يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين عليهماالسلام فوجب أن يكونا ابنيه ، وممّا يؤكّد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام : ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ﴾ إلى قوله : ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى﴾(٢) ومعلوم أنّ عيسى انتسب إلى إبراهيم بالأمّ لا بالأب ، فثبت أنّ ابن البنت قد يسمّى ابنا (٣) .
أقول : عصبيته منعته من أن يقول : فثبت أنّ ابن البنت ابن حقيقة ، وقال : قد يسمّى ابنا.
في أنّ علي بن أبي طالب عليهالسلام أفضل من سائر الأنبياء
ثمّ قال : إنّه كان بالرّي رجل يقال له محمود بن الحسن الحمصي ، وكان معلّم الاثني عشريّة ، وكان يزعم أنّ عليّا أفضل من جميع الأنبياء سوى محمّد صلىاللهعليهوآله ، قال : والذي يدلّ عليه قوله تعالى : ﴿وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ وليس المراد بقوله : ﴿أَنْفُسَنا﴾ نفس محمّد صلىاللهعليهوآله ؛ لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه ، بل المراد به غيره ، وأجمعوا على أنّ ذلك الغير كان عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، فدلّت الآية على أنّ نفس عليّ هي نفس محمّد صلىاللهعليهوآله.
ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النّفس هي عين تلك النّفس ، فالمراد أنّ هذه النّفس هي مثل تلك النّفس ، وذلك يقتضي الإستواء في جميع الوجوه ، ترك العمل بهذا العموم في حقّ النّبوّة وفي حقّ الفضل ، لقيام الدّلائل على أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله كان نبيّا ، وما كان عليّ كذلك ، ولانعقاد الإجماع على أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله كان أفضل من عليّ عليهالسلام ، فيبقى فيما وراءه معمولا به ، ثمّ الإجماع دلّ على أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله كان أفضل من سائر الأنبياء ، فيلزم أن يكون عليّ عليهالسلام أفضل من سائر الأنبياء ، فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآية (٤) .
ثمّ قال الفخر [ نقلا عن محمود الحمصي المتقدم ] : ويؤيّد الاستدلال بهذه الآية ، الحديث المقبول
__________________
(١) تفسير القمي ١ : ١٠٤ ، تفسير الصافي ١ : ٣١٨.
(٢) الأنعام : ٦ / ٨٤ و٨٥.
(٣) تفسير الرازي ٨ : ٨١.
(٤) وللشيخ المفيد تفصيل في المقام ذكره في كتابه ( تفضيل أمير المؤمنين عليهالسلام ) المنشور في ج ٧ من مصنفات الشيخ المفيد ، فراجع.