العلماء والمهندسين والفعلة فأسّسوا لحضارة مازالت محلّ زهونا بعد أن طالت الأمّة أحداث فرقّتها أيدي سبأ ، وفعلت بها الأفاعيل. وبيدها أيضاً قصب السبق في فتوحات الشرق على الرغم من الأحداث المروعة ، والمجازر البشعة التي شهدتها إبّان حكم دولة بني أمية. ويكفي أن يكون من مفاخرها ثلاثة من سبعة قرَّاء مازالت قراءاتهم تتردّد في أرجاء المعمورة ، وهم عاصم وحمزة والكسائي ، إلاّ أنّ القصبة كانت بيد عاصم الذي أخذ قراءته عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي ، وقد أخذاها عن أبي الحسنين عليهمالسلام ، وهي أعلى قراءة عرفها العالم الإسلامي ، وأوسعها انتشارًا(١).
وقد سبقهم جيل من القرَّاء الكبار مّمن أخذ عنه عليهالسلام أيضاً ، ولكن الزمان طواهم بردائه شأنه مع كثر ممّن مرّ عليهم فلم ينصفهم ، وقد شاركت كراهية العثمانيّين والأمويّين والزبيريّين والخوارج وبعض علماء سلاطين بني العبّاس لمحبّي أمير المؤمنين وأصحابه في طمس سيرهم على الرغم من أنّهم كانوا ملء السمع والبصر في زمانهم ؛ وفي مقدّمة هؤلاء عبد الرحمن بن أبي ليلى الذي كان له شرف عرض القرآن على أمير المؤمنين عليهالسلام ، وشهادة مشاهده(٢). وهو مدنيٌّ أنصاريٌّ أوسيٌّ.
__________________
(١) ينظر تهذيب الكمال ١٣/٤٧٣ برقم ٣٠٠٢ ، وكيف لا تكون ، وبعض ما قيل عن قراءته قول أبو عبد الرحمن السلمي شيخ قرّاء زمانه : «ما رأيت أحدًا أقرأ لكتاب الله من علي) ، فضائل أمير المؤمنين ٤٥ ، وترجمة الإمام علي في تاريخ دمشق» ٣/٣٥.
(٢) سير أعلام النبلاء ٤/٢٦٣/٩٦.