وبعد وصول أمير المؤمنين عليهالسلام بجيشه إلى المدائن وهو في طريقه إلى صفّين وجَّه معقلاً في ثلاثة آلاف ، وأمره أن يأخذ طريق الموصل(١) حتّى يوافيه ، وأوصاه بقوله : «اتَّقِ الله الذي لابدَّ من لقائهِ ، ولا مُنْتَهى لك دُونَهُ ، ولا تُقاتِلَنَّ إلاّ من قاتَلَكَ ، وسِر البَرْدَيْنِ ، وغَوِّر بالنَّاس ، ورفِّهْ في السَّيرِ ، ولا تَسِر أوَّل الليلِ ، فإنَّ اللهَ جَعَلَه سَكَناً ، وقَدَّره مُقَاماً لا ظَعْناً ، فأرِح فِيهِ بَدَنَكَ ، ورَوِّح ظَهْرَكَ ، فإذا وقَفْتَ حينَ ينْبَطِحُ السَّحرُ أو حين يَنْفَجِرُ الفَجْرُ ، فسِر علَى بركةِ الله ، فإذا لقِيت العدوَّ فَقِف من أصحاَبكَ وسَطاً ، ولا تَدْنُ من القومِ دُنُوَّ من يريدُ أن يُنشِبَ الحربَ ، ولا تَبَاعَد عنهم تباعُدَ من يهَابُ البأسَ حتَّى يأتِيكَ أمرِي ، ولا يَحْمِلَنَّكُم شَنَآنُهُم على قتالهم ، قبل دُعَائِهم ، والإعْذارِ إليهم»(٢). وعلى الرغم من آيات البيان التي تلحظ في وصيّته عليهالسلام ، فإنّها تعدّ أيضاً من الوثائق التي ينبغي أن تتدارسها المؤسّسات العسكرية في كيفية تسيير الجيوش.
وفي أثناء مناوشات معركة صفّين سنة سبع وثلاثين كان أمير المؤمنين عليهالسلام يخرجه أحياناً مع فرسان ذكرهم ابن مزاحم(٣) ، إذ لم يشأ أن يشنّ حرباً عامَّة على جيش معاوية ، على أمل أن يثيب إلى رشده فيجنّب
__________________
(١) أنساب الأشراف ٢/٢٦٩ ، وتجارب الأمم ١/٥١٢ ، والكامل في التاريخ ٣/٢٨٧ ، وتاريخ ابن خلدون ٢/١٦٩.
(٢) نهج البلاغة : ٥٤٩ ، وشرح نهج البلاغة ١٥/٩٢ ، وينظر أيضاً التذكرة الحمدونية ١/٣٥٠.
(٣) وقعة صفّين : ١٩٥.