يبنون علومهم على استخراج النتائج من المقدّمات ، مع مراعاة شرائط الإنتاج بطريق البرهان ـ كما هو مذكور في علم الميزان ـ أراد أن يشير إلى طريق الأولياء الذين مبنى علومهم على الفيض الإلهيّ والكشف الربّانيّ ، لكن بعد مجاهدات نفسانيّة ، وإزالة عوائق بدنيّة ونفسانيّة ، وتوجّه نحو طلب الكمال الذي يسمّى عندهم ب «السلوك». ولا شكّ أنّ التوجّه إلى شيء حرّكه ، ويفتقر المتحرّك فيها إلى معرفة مبدئها وشرائطها وإزالة العوائق عنها وما يلحقه في أثنائها وما يحصل له بعدها ، حتّى يصل إلى الغاية المطلوبة بها. وأشار المصنّف رحمهالله إلى شيء يشير من ذلك إشارة يحتاج إلى بسط ، فلنبسط ذلك مختصرا ممّا استفدناه من كلامه ، وذلك يتمّ بفوائد :
الأولى : مبدأ الحركة وشرائطها ، وهو امور :
الأوّل : الإيمان. وهو لغة التصديق ، وشرعا التصديق بكلّ ما علم ضرورة مجيء الرسول به. وذلك مستلزم لمعرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله والقرآن والأحكام ، وبهذا الاعتبار لا يقبل الزيادة والنقصان. وقد يطلق على وجه الكماليّة ، بإضافة الأعمال الصالحة ، فيقبل حينئذ الزيادة والنقصان. وأدنى مراتب الإيمان هو اللّسانيّ (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) (١). وبعده القلبيّ على وجه التصديق الجازم ، لكن يمكن زواله. وبعده الإيمان بالغيب المنبعث عن بصيرة في القلب تقتضي ثباته. وأعلى مراتب الإيمان اليقين الآتي ذكره.
الثاني : الثّبات. وهو حالة جزم بوجود كمال يقارن الإيمان ، وبدونها لم تحصل طمأنينة النفس التي هي شرط طلب الكمال ؛ فإنّ المتزلزل في اعتقاد كمال لا يكون طالبا له ، وإذا لم يتحقّق الطلب لم يتحقّق العزم ، ولم يمكن السلوك ؛ فإنّ صاحب العزم بدون الثبات كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران ، بل لا يكون له عزم ؛ فإنّه ما لم يتوجّه إلى جهة واحدة بقلبه لم تقع الحركة ، ولو تحرّك كانت حركته اضطرابيّة لا فائدة فيها. وعلّة الثبات بصيرة الباطن بحقيقة المعتقد ووجدان لذّة الإصابة وصيرورتها ملكة باطنة لا تقبل الزوال.
__________________
١ ـ الحجرات / ١٤.