وقابل بعين النّفس مرآة عقلها |
|
فتلك حياة النفس بعد مماتها |
وإزالة الموانع الدنيويّة عن خاطره ، والمعين على ذلك أيضا هو إضعاف قواه الشهوانيّة والغضبيّة بإضعاف حواسّه بتقليل الأغذية والتنوّق فيها ، فإنّ لذلك أثرا عظيما في حصول الكمال ، والتأهّل لخدمة حضرة ذي الجلال ، كما قال فيثاغورس (١) : عودوا أنفسكم الشيء الطفيف (٢) ؛ فإنّه أقلّ لاحتياجكم وأشبه بكم بالمبدإ الأوّل ، فإنّه غير محتاج.
ثمّ الغرض من الرياضة امور ثلاثة :
أوّلها : إزالة الموانع عن الوصول إلى الحقّ ، وهي الشواغل الظاهرة والباطنة.
وثانيها : جعل النفس الحيوانيّة مطاوعة للعقل العمليّ ، الباعث على طلب الكمال.
وثالثها : جعل النفس مستعدّة لقبول فيض الحقّ لتصل إلى كمالها الممكن لها.
الخامس : المحاسبة. وهي أن ينسب السالك طاعاته إلى معاصيه ليعلم أيّهما أكثر ، فإن فضّلت طاعاته نسب قدر الفاضل إلى نعم الله تعالى عليه التي هي وجوده ، والحكم المودعة في خلقته ، والفوائد التي أظهرها في قواه ، ودقائق الصنع التي أوجدها في نفسه ، التي هي تدرك العلوم والمعقولات فإذا نسب فضل طاعته إلى هذه النعم التي لا تحصى كما قال سبحانه : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) (٣) ، ووازنها ... وقف على تقصيره وتحقّقه. فإن ساوت طاعاته معاصيه تحقّق أنّه ما قام بشيء من وظائف العبوديّة ، وكان تقصيره أظهر له. وإن فضلت معاصيه فويل ثمّ ويل. فإذا عمل السالك ذلك مع نفسه لم يصدر منه غير الطاعة ، وعدّ نفسه مقصّرا دائما. وإذا لم يفعل ذلك وقع في العذاب الأبديّ والخسران السرمديّ. ويتبع المحاسبة المذكورة المراقبة ، وهي أن يحفظ ظاهره وباطنه لئلّا يصدر عنه شيء يبطل به حسناته التي عملها ، وذلك أن يلاحظ أحوال نفسه
__________________
١ ـ فيثاغورس بن منسارخس من أهل ساميا. وكان في زمان سليمان النبيّ عليهالسلام ، قد أخذ الحكمة من معدن النبوّة ، وهو الحكيم الفاضل ذو الرأي المتين والعقل الرصين ، يدّعي أنّه شاهد العوالم العلويّة بحسّه وحدسه. وهو أوّل من نطق في الأعداد والحساب والهندسة ، إليه يعزى تقويم الحساب المعروف ب «جدول فيثاغورس» في الضرب. تاريخ اليعقوبي ١ : ١١٩ ، الملل والنحل ٢ : ٧٨ ، تاريخ الحكماء للقفطي : ٣٥٥.
٢ ـ الطفيف : مثل القليل وزنا ومعنى. المصباح المنير : ٣٧٤.
٣ ـ إبراهيم / ٣٤.