عرّف معنى الفكر في اصطلاح العلماء ، وهو الحركة من المطالب إلى المبادي ثمّ الرجوع من المبادي إلى المطالب. ولا يمكن أن يصل من مرتبة النقصان إلى الكمال إلّا بالسير ، ولذلك كان النظر أوّل الواجبات ، وجاء الحثّ عليه في التنزيل والحديث (١). ومبادي السير التي منها ابتداء الحركة هي الآفاق والأنفس. والسير هو الاستدلال من آياتهما ، وهي الحكم المودعة في كلّ ذرّة من ذرّات هذين الكونين الدالّ على عظمة المبدع وكماله. ويظهر ذلك لمن نظر في تشريح العالمين : الآفاقيّ والأنفسيّ ، والفلكيّ والعنصريّ ، قال تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) (٢). ثم يستشهد من حضرة جلاله على كلّ ما سواه من مبدعاته ، كما قال الله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (٣).
الثالث : الخوف والحزن. قال العلماء : الحزن على ما فات ، والخوف على ما لم يأت. فالحزن تألّم الباطن بسبب وقوع مكروه يتعذّر دفعه أو فوات فرصة أو أمر مرغوب فيه يتعذّر تلافيه. والخوف تألّم الباطن بسبب وقوع مكروه يمكن حصول أسبابه أو توقّع فوات مرغوب يتعذّر تلافيه. ولا يخلوان من فائدة في باب السلوك ؛ فإنّ الحزن إذا كان سببه ارتكاب المعاصي أو فوات مدّة (عاطلة عن العبادة) (٤) أو عن ترك السير في الطريق إلى الكمال صار باعثا له على تصميم العزم على التوبة. والخوف إن كان سببه ارتكاب المعاصي فيه ونقصانه وعدم وصوله إلى درجة الأبرار صار موجبا لاجتهاده في اكتساب
__________________
١ ـ حثّ الكتاب العزيز على النظر والتدبّر في آيات الله بتعابير مختلفة ، فتارة أمر بالنظر إلى ملكوت السماوات والأرض (الأعراف / ١٨٥) ، وأخرى بالنظر إلى بعض الموجودات كالإبل والسماء ، (الغاشية : ١٧). وثالثة بالنظر إلى أنفسهم. (الروم / ٨).
كما جاء الحثّ الأكيد في السّنّة أيضا على التفكّر ، وأنّه أفضل العبادة ، منها :
قال عليّ عليهالسلام : «لا عبادة كالتفكّر في صنعة الله عزوجل». أمالي الطوسيّ : ١٤٦ / الحديث ٢٤٠ ، البحار ٧١ : ٣٢٤ ، سفينة البحار ٢ : ٣٨٢.
وقال الإمام الرضا عليهالسلام : «ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة ، إنّما العبادة كثرة التفكّر في أمر الله». الكافي ٢ : ٥٥ / الحديث ٤ ، سفينة البحار ٢ : ٣٨٢.
٢ ـ فصّلت / ٥٣.
٣ ـ فصّلت / ٥٣.
٤ ـ «م» : صالحة للعبادة.