الخيرات ومبادرته إلى السلوك في طريق الكمال ، (ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ) (١). هذا في حال السير والسلوك ، وأمّا أهل الكمال فهم مبرّءون من الخوف والحزن (أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).
الرابع : الرجاء. كلّ متوقّع حصول مطلوب له مستقبلا وظنّ وجود أسبابه حصل له فرح مقارن لتصوّر حصوله ، فيسمّى ذلك الفرح رجاء. وإن تيقّن حصول الأسباب فيكون المتوقّع واجبا فيكون ذلك الفرح انتظارا ولا جرم يكون الفرح أقوى. وإذا خلا من الظنّ واليقين يسمّى تمنّيا. وإن كان عدم حصول الأسباب معلوما يسمّى غرورا وحماقة. والرجاء أيضا لا يخلو من فائدة ؛ فإنّه يبعث على الترقّي في درجات الكمال وسرعة السير في الطريق.
الخامس : الصبر. وهو لغة : حبس النفس عن الفزع من المكروه والجزع منه. وإنّما يكون ذلك بمنع باطنه من الاضطراب وأعضائه من الحركات غير المعتادة. وهو على أنواع ثلاثة :
الأوّل : صبر العوامّ ، وهو حبس النفس على وجه التجلّد وإظهار الثبات في التحمّل ، لتكون حاله عند الغير مرضيّة.
الثاني : صبر الزّهّاد والعبّاد ، لتوقّع ثواب الآخرة.
الثالث : صبر العارفين على جهة الالتذاذ به ، فإنّ لبعضهم التذاذا بالمكروه ؛ لتصوّر أنّ معبودهم خصّهم بذلك فصاروا ملحوظين بعين عنايته (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (٣).
السادس : الشكر. وهو لغة : الثناء على المنعم ليوازي نعمه. وإذا كان معظم النعم من الله فخير ما اشتغل العبد به هو الشكر. وهو يتمّ بثلاثة أشياء :
__________________
١ ـ الزمر / ١٦.
٢ ـ يونس / ٦٢.
٣ ـ البقرة / ١٥٦ ـ ١٥٨.