فاعل القبيح غيره ، فكذا الحسن ؛ لأنّا نعلم بالضرورة أنّ فاعل القبيح هو فاعل الحسن ، فإنّ الذي كذب هو الذي صدق.
أقول : اختلف أهل العدل في العلم باستناد أفعالنا إلينا : هل هو ضروريّ أو كسبيّ؟
قال أبو الحسين بالأوّل (١) ، وباقي المشايخ بالثاني. والمصنّف رحمهالله لمّا اختار مذهب أبي الحسين قال : وإن قلنا بمذهب المشايخ قلنا استدلالا على المطلوب : «إن وجد شيء من القبائح ...» إلى آخره وهو ظاهر.
قال : والذي أثبته أبو الحسن الأشعريّ (٢) وسمّاه كسبا ، وأسند وجود الفعل وعدمه إليه تعالى ولم يجعل للعبد شيئا من التأثير ، غير معقول.
أقول : لمّا أورد المعتزلة على الأشاعرة إيرادات وألزموهم إلزامات ، وبيّنوا لهم التفرقة الضروريّة بين ما يزاوله الإنسان من الأفعال وبين ما يجده من الجمادات ، حتّى قال أبو الهذيل (٣) عن بشر المريسيّ (٤) : حمار بشر أعقل من بشر ؛ لأنّك إذا أتيت به إلى جدول صغير طفره (٥) وإذا أتيت إلى جدول كبير لم يطفره ؛ لأنّه فرّق بين ما يقدر على طفره وما لا يقدر وبشر لم يفرّق بين مقدوره وغير مقدوره. وحصل لهم الشبهة في إسناد
__________________
١ ـ المعتمد في أصول الفقه ١ : ٣٤٢.
٢ ـ عليّ بن إسماعيل بن إسحاق ، أبو الحسن الأشعريّ ، مؤسّس مذهب الأشاعرة. ولد في البصرة ، وتلقّى مذهب المعتزلة وتقدّم فيهم ، ثمّ رجع وجاهر بخلافهم. له مصنّفات ، منها : مقالات الإسلاميّين ، الإبانة عن اصول الديانة. مات سنة ٣٢٤. شذرات الذهب ٢ : ٣٠٣ ، الأعلام للزركليّ ٤ : ٣٦٢.
٣ ـ محمّد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبديّ ، مولى عبد القيس ، أبو الهذيل العلّاف ، من أئمّة المعتزلة. ولد في البصرة ، واشتهر بعلم الكلام. له مقالات في الاعتزال ، ومجالس ومناظرات. كفّ بصره في آخر عمره ، وتوفّي بسامرّاء سنة ٢٣٥ ه. طبقات المعتزلة : ٥٤ ، شذرات الذهب ٢ : ٨٥ ، الأعلام للزركليّ ٧ : ١٣١. نقل قوله العلّامة في «نهج الحقّ وكشف الصدق» : ١٠١.
٤ ـ بشر بن غياث بن أبي كريمة عبد الرحمن المريسيّ العدويّ بالولاء ، أبو عبد الرحمن. ففيه معتزليّ ، عارف بالفلسفة. يرمى بالزندقة. وهو رأس الطائفة المريسيّة القائلة بالإرجاء ، وإليه نسبتها. أخذ الفقه عن القاضي أبي يوسف ، وقال برأى الجهميّة ، واوذي في دولة هارون الرشيد. قيل : كان أبوه يهوديّا ، وهو من أهل بغداد ، ينسب إلى درب المريس. مات سنة ٢١٨ ه. طبقات المعتزلة : ٦٢ ، شذرات الذهب ٢ : ٤٤ ، الأعلام للزركليّ ٢ : ٥٥.
٥ ـ الطفر : الوثوب ، والطفرة الوثبة. وقيل : الوثبة من فوق ، والطفرة إلى فوق. النهاية لابن الأثير ٣ : ١٢٩ ، المصباح المنير : ٣٧٤.