الفعل إلى الله تعالى لا إلى العبد ، راموا الجمع بينهما فقالوا : الأفعال واقعة بقدرة الله وكسب العبد.
ثمّ اختلفوا في تفسير ذلك الكسب ، فقال أبو الحسن الأشعريّ ـ وهو الذي تنسب إليه الأشاعرة ـ معناه أنّ العبد إذا صمّم العزم واختار الطاعة أو المعصية خلق الله فيه الطاعة أو المعصية عقيب عزمه (١).
وقال القاضي : (٢) إنّ ذات الفعل من الله ، وللعبد قدرة مؤثّرة في صفاته من كونه طاعة أو معصية (٣).
وقال الإمام (٤) منهم : إنّ العبد إن استقلّ بإدخال شيء في الوجود بطل ما قلتم : إنّ العبد لا يؤثّر. وإن لم يستقلّ فلا يكون كاسبا ، ويكون الكلّ بقدرة الله تعالى (٥).
__________________
١ ـ إنّ الأشعريّ لمّا ثبت عنده أنّ الخالق هو الله تعالى ، وبالضرورة أنّ لقدرة العبد وإرادته مدخلا في بعض الأفعال كحركة البطش ، دون البعض كحركة الارتعاش ، التجأ إلى القول بأنّ الله تعالى قادر والعبد كاسب. واختلفت الأشاعرة في معنى الكسب ، فقال أبو الحسن الأشعريّ : إنّ الكسب معناه مقارنة قدرة العبد وإرادته مع إيجاد الفعل ، من غير أن يكون هناك منه تأثير. وقال في موضع : معنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة ، فكلّ من وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق ، ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب. مقالات الإسلاميّين ٢ : ١٩٦ ، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٤١.
٢ ـ القاضي أبو بكر محمّد بن الطيّب بن محمّد بن جعفر بن القاسم ، المعروف بالباقلانيّ البصريّ. من كبار متكلّمي الأشاعرة ، انتهت إليه رئاستهم في عصره. وكان كثير التطويل في المناظرة. له مصنّفات ، منها : الإنصاف ، والتمهيد. مات ببغداد سنة ٤٠٣ ه. شذرات الذهب ٣ : ١٦٨ ، الأعلام للزركليّ ٦ : ١٧٦.
٣ ـ قال الباقلانيّ : معنى الكسب أنّ قدرة الله يتعلّق بأصل الفعل وقدرة العبد بصفته ، أعني بكونه طاعة أو معصية. وبعبارة أخرى : إنّ لقدرة العبد تأثيرا في وجوه الفعل وكونه على هيئة مخصوصة. التمهيد للباقلانيّ : ١٤ ، الملل والنحل : ٨٩ ، شرح العقائد النسفيّة : ١١٧.
٤ ـ هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمّد الجوينيّ ، أبو المعالي ركن الدين الملقّب بإمام الحرمين ، من أصحاب الشافعيّ. ولد في جوين ورحل إلى بغداد ، فمكّة حيث جاور أربع سنين ، وذهب إلى المدينة فأفتى ودرّس ، ولذلك سمّي بإمام الحرمين. ثمّ عاد إلى نيسابور ، فبنى له الوزير نظام الملك المدرسة النظاميّة. له مصنّفات ، منها : العقيدة النظاميّة في الأركان الإسلاميّة ، الشامل في اصول الدين. مات بنيسابور سنة ٤٧٨ ه. شذرات الذهب ٣ : ٣٥٨ ، الإعلام للزركليّ ٤ : ١٦٠.
٥ ـ قال : إنّ الأفعال واقعة على سبيل الوجوب بما خلقه الله تعالى في العبد من مبادئها من غير اختيار. الشامل في أصول الدين : ٣٦ ، الملل والنحل : ٩٠ ، شرح العقائد النسفيّة : ١١٧.