وقال البيضاويّ (١) منهم أيضا : إنّه أي الكسب مشكل ؛ لأنّ تصميم العزم أيضا فعل فيكون هو أيضا واقعا بقدرة الله ، فلا يكون للعبد فيه مدخل ويعود المحذور. وبالجملة القول بالكسب هذيان.
قال : شبهة وجواب ـ قالت المجبّرة : إن كانت القدرة والإرادة من الله تعالى ، وبعدمهما (٢) يمتنع الفعل ومعهما يجب ، فالفعل من الله ، والملزوم ظاهر الثبوت ، فكذا اللازم.
والجواب : أنّه لا يلزم من كون آلة الفعل من الله أن يكون الفعل منه. غاية ما في الباب أنّه يتخيّل منه الإيجاب ، وأمّا الجبر فلا.
ودفع الإيجاب بأن نقول : إنّ كون آلة الفعل من الله تعالى مسلّم ، إلّا أنّ فعل العبد تابع لداعيه فيكون باختياره ، لأنّا لا نريد بالاختيار إلّا هذا القدر ، وبعد ظهور كون فعله تابعا لداعيه ، إن سمّوه إيجابا ـ لكون الآلات من الله ـ كان منازعة في التسمية ، ولا مضايقة فيها. ولو قالوا : إنّ الله تعالى خلق العبيد ، ولو لم يخلقهم لما كانت الأفعال ، ولمّا خلقهم كانت ، فيكون هو تعالى فاعلا لها ، كان مثل قولهم وأسهل ، لكن لا يخفى على العاقل ما فيه.
أقول : لمّا فرغ من الاحتجاج على المذهب الحقّ أشار إلى شبه المخالف. وقد ذكر منها شبهتين :
الأولى : تقريرها أنّ كلّما كانت آلة الفعل من الله كان الفعل منه ، لكنّ الملزوم حقّ فاللازم مثله.
أمّا بيان حقيّة الملزوم ، فلأنّ المراد بالآلة هو ما يؤثّر الفاعل بواسطته في منفعله القريب منه ، كالقدوم بالنسبة إلى النجّار ؛ فإنّ أثر النجّار في الخشب ـ وهو تفرّق اتّصاله ـ
__________________
١ ـ عبد الله بن عمر بن عليّ الشيرازيّ ، أبو سعيد أو أبو الخير ، ناصر الدين البيضاويّ. قاض ، مفسّر ، علّامة. ولد في المدينة البيضاء بفارس قرب شيراز ، وولى قضاء شيراز مدّة ، وصرف عن القضاء فرحل إلى تبريز فتوفّي فيها سنة ٦٨٥ ه. من تصانيفه : أنوار التنزيل وأسرار التأويل ، لبّ اللباب ، الطوالع. شذرات الذهب ٥ : ٣٩٢ ، الكنى والألقاب ٢ : ١٠٣ ، الأعلام للزركليّ ٤ : ١١٠.
٢ ـ في النسخ : بغيرهما. وما أثبتناه من الفصول النصريّة.