أمّا الفقهاء فلأنّهم يذكرون للأحكام الشرعيّة عللا وأغراضا مناسبة لها ، ككون القصاص للانزجار عن القتل (١) وتحريم المسكر تحصينا للعقل (٢) ، إلى غير ذلك من الأغراض (٣).
وأمّا الحكماء فإنّهم قالوا : كلّ حادث لا بدّ له من علل أربع : الفاعل ، والمادّة ، والصورة ، والغاية. والغاية هي الغرض (٤). ثمّ الذي يدلّ على بطلان قولهم أيضا أنّ الفعل الخالي عن الغرض عبث والعبث قبيح ؛ لاستحقاق الذمّ عليه ، والبارئ سبحانه منزّه عن القبيح كما تقدّم ، وأيضا دلالة القرآن كقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) (٥). (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً) (٦). (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٧).
الثالثة : أنّه لمّا ثبت كونه تعالى كاملا مطلقا مستغنيا في ذاته وصفاته استحال عود الغرض إليه ، وإلّا لكان ناقصا مستكملا بذلك الغرض. بل الغرض إمّا كماليّة الفعل كما قلناه ، أو كونه عائدا إلى العبيد لا إليه تعالى.
الرابعة : لمّا ثبت أنّ أفعاله تعالى لمصالح عبيده لزم ذلك ـ بطريق (٨) النقيض ـ أنّ كلّ ما ليس فيه مصلحة لعبيده فليس صادرا منه تعالى ، بل من غيره.
قال : تبصرة ـ قد بيّنّا حقيقة إرادته تعالى لأفعال نفسه ، وأمّا إرادته لأفعال عبيده فهو أمرهم بها. والأمر بالقبيح يتضمّن الفساد ، فلا يأمر به. وبيّنّا أنّه لا يفعل القبيح
__________________
١ ـ علل الشرائع : ٤٧٨.
٢ ـ علل الشرائع : ٤٧٥ ، المبسوط للطوسيّ ٨ : ٥٧.
٣ ـ إنّ فقهاءنا العظام ذكروا للأحكام الشرعيّة عللا وأغراضا يجمعها أنّ الأوامر الشرعيّة والنواهي ناشئتان من المصلحة والمفسدة ، والأصل في هذا ، الروايات الواردة عن المعصومين عليهمالسلام ، منها : ما ورد عن أمير المؤمنين وزوجته سيّدة نساء العالمين عليهماالسلام. نهج البلاغة : ١٢٥ الحكمة ٢٥٢ ، الاحتجاج للطبرسيّ ١ : ٧٩.
٤ ـ النجاة من الغرق في بحر الضلالات : ٥١٨ ، التحصيل لبهمنيار : ٥١٩.
٥ ـ المؤمنون / ١١٥.
٦ ـ ص / ٢٧.
٧ ـ الذاريات / ٥٦.
(٨) ـ «ح» «ن» «خ» بزيادة : عكس.