قال : الفصل الثالث : في النبوّة والإمامة.
أصل ـ إذا كان الغرض من خلق العبيد مصلحتهم ، فتنبيههم على مصالحهم ومفاسدهم ـ ممّا لا تستقلّ عقولهم بإدراكه ـ لطف واجب. وأيضا إذا أمكن ، بسبب كثرة حواسّهم وآلاتهم واختلاف دواعيهم وإراداتهم ، وقوع الشرّ والفساد في أثناء ملاقاتهم ومعاملاتهم ، فتنبيههم على كيفيّة معاشرتهم ، وحسن معاملتهم ، وانتظام امور معاشهم ـ التي تسمّى شريعة ـ لطف واجب. ولمّا كان البارئ تعالى ، غير قابل للإشارة الحسّيّة ، فتنبيههم بغير واسطة مخلوق مثلهم غير ممكن ، فبعثة الرسل واجبة.
أقول : النبوّة لغة مشتقّة إمّا من الإنباء وهو الإخبار ، أو من النّبوّ وهو العلوّ (١) واصطلاحا : رئاسة لشخص إنسانيّ مؤيّد من الله بمعجزات ربّانيّة وعلوم إلهيّة مستغن فيها عن واسطة بشر (٢).
__________________
١ ـ النبيّ ، إمّا مأخوذ من النّبإ ، لإنبائه عن الله تعالى ، فهو فعيل بمعنى فاعل مهموز اللام. وإمّا مأخوذ من النّبوّ بمعنى الارتفاع ، فهو فعيل بمعنى مفعول غير مهموز. لسان العرب ١ : ١٦٣ ، المصباح المنير : ٥٩١ ، محيط المحيط : ٨٧٤.
٢ ـ إنّ النبوّة في الاصطلاح عرّفت بتعاريف يجمعها تعريف المصنّف ، وإليك نصّ التعاريف من العامّة والخاصّة. أمّا من العامّة : فقال القاضي عبد الجبّار : النبيّ هو المبعوث من جهة الله. وقال التفتازانيّ : الرسالة هي سفارة العبد بين الله تعالى وبين ذوي الألباب من خليقته ، ليزيح بها عللهم فيما قصرت عنه عقولهم من مصالح الدنيا والآخرة. وقال العلّامة القوشجيّ : النبوّة هو كون الإنسان مبعوثا من الحقّ إلى الخلق. شرح الأصول الخمسة : ٥٦٧ ، شرح العقائد النسفيّة : ١٦٤ ، شرح تجريد العقائد للقوشجيّ : ٣٥٧.
وأمّا من الخاصّة : فقال الشيخ الطوسيّ : النبيّ في العرف هو المؤدّي عن الله تعالى بلا واسطة من البشر. الاقتصاد للشيخ الطوسيّ : ١٥١. وقال المحقّق الطوسيّ : النّبيّ إنسان مبعوث من الله إلى عباده ليكلّمهم ، بأن يعرّفهم ما يحتاجون إليه في طاعته والاحتراز عن معصيته. تلخيص المحصّل : ٤٥٥. وقال العلّامة الحلّي : النبيّ هو الإنسان المخبر عن الله بغير واسطة أحد من البشر. نهج المسترشدين : ٥٨.