أسهل عليهم ؛ لأنّهم أهل الكلام والفصاحة المفرطة. فعدولهم إلى الأشقّ مع إفادة الأسهل دليل ظاهر على عجزهم ؛ إذ العاقل لا يختار ذلك حال قدرته واختياره. هذا مع أنّه إلى الآن لم يقدر أحد من الفصحاء والبلغاء على تركيب كلمات على منواله أو على ما يقاربه ، فيكون معجزة ، وذلك هو المطلوب.
فائدة : اختلف في علّة إعجاز القرآن ، قيل : للصّرفة. بمعنى أنّ الله تعالى سلب قدرة العرب أو علومهم أو دواعيهم عن الإتيان بمثله.
وقيل : لأنّه اسلوب خاصّ غير معهود لهم.
وقيل : لفصاحته البالغة.
وقيل : لاشتماله على الفصاحة والبلاغة والعلوم الشريفة. وهو الحقّ (١) وتحقيق ذلك
__________________
١ ـ اعلم أنّه لمّا كان القرآن الكريم هو المعجزة الخاصّة لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، وآية رسالته الباقية ـ وإن كان قد أيّده الله تعالى أيضا بغيره من المعجزات والأعلام الظاهرات ـ اهتمّ المسلمون من الصدر الأوّل بالبحث عما يتعلّق به. ومن مهمّات ذلك البحث عن وجه إعجازه وأنّه هل هو فصاحته الخارقة العادة؟ أو بلاغة معانيه؟ أو نظمه الخارج عن معهود النظم في كلام سائر البلغاء؟ أو عدم وقوع اختلاف ومناقضة فيه؟
ومن الأقوال المعروفة في وجه إعجازه ، القول بالصّرفة الذي اختاره جمع من المتكلّمين. وقد ذكروا في تفسيره احتمالات :
الأوّل : أنّ المراد به أنّ الله صرف دواعي أهل اللسان عن معارضته مع حصول تلك الدواعي لهم. وهو اختيار المفيد حيث قال : إنّ جهة إعجاز القرآن هو الصّرف من الله تعالى لأهل الفصاحة واللسان عن معارضة النبيّ صلىاللهعليهوآله بمثله في النظام عند تحدّيه لهم ، وجعل انصرافهم عن الإتيان بمثله ـ وإن كان في مقدورهم ـ دليلا على نبوّته. أوائل المقالات : ٦٨.
الثاني : أنّ الله تعالى سلب عنهم العلوم التي كانوا يتمكّنون بها عن معارضة القرآن ويتأتّى لهم الفصاحة المماثلة لفصاحته. وهذا هو الذي اختاره السيّد المرتضى ، قال : إنّ وجه دلالة القرآن على النبوّة أنّ الله تعالى صرف العرب عن معارضته ، وسلبهم العلم الذي به يتمكّنون من مماثلة في نظمه وفصاحته ، ولو لا هذا الصرف لعارضوا. وإلى هذا الوجه أذهب ، وله نصرت في كتابي المعروف ب «الموضح عن جهة إعجاز القرآن». الذخيرة في علم الكلام : ٣٧٨.
وقال الشيخ الطوسيّ : إنّ جهة إعجازه اختصاصه بالعلوم التي يأتي منه بها هذه الفصاحة. الاقتصاد ، للشيخ الطوسيّ : ١٥٦. وقال العلّامة الحلّيّ : إنّ جهة إعجازه هو الفصاحة والاسلوب معا. كشف المراد : ٢٨١.
وقال كمال الدين ميثم : الحقّ أنّ وجه الإعجاز هو مجموع الامور الثلاثة ، وهي : الفصاحة البالغة ، والاسلوب ، والاشتمال على العلوم الشريفة. قواعد المرام في علم الكلام : ١٣٢.
وقد ذكروا في وجه إعجاز القرآن امورا آخر ، كخلوّه من التناقض ، وعدم الاختلاف فيه ، وتأثيره في النفوس ، وإخباره بالمغيبات ، واشتماله على العلوم التي لا يبلغ إليها الأفراد العاديّة. ويمكن أن يكون جميع ذلك أوجها لإعجاز القرآن الكريم.