وقال أصحابنا : لا يحصل إلّا بالنصّ لا غير (١) ؛ وذلك لأنّ العصمة شرط في الإمام ـ كما تقدّم ـ وهي أمر خفيّ لا يطّلع عليه إلّا علّام الغيوب. وإنّما قلنا ذلك لأنّ صلاح الظاهر غير كاف في العصمة بل لا بدّ مع ذلك من صلاح الباطن ؛ لأنّ الأعمال في عرضة الرّياء والسّمعة والنّفاق ، فلو لا النصّ على العصمة لم يكن لنا طريق إلى معرفتها.
ثمّ النصّ قد يكون من الله تعالى ، وهو قسمان :
أحدهما قوليّ ، وهو اللفظ الدالّ على المراد دلالة ظاهرة بذاته وهو الجليّ ، أولا بذاته بل مع ضمّ مقدّمة أخرى أو مقدّمات وهو الخفيّ.
وثانيهما فعليّ ، وهو خلق المعجز على يده عقيب دعواه.
وقد يكون من الرسول صلىاللهعليهوآله أو من إمام قبله. وهو قوليّ ينقسم إلى قسميه المذكورين ، وفعليّ كأفعال تشعر إشعارا ظاهرا بالدلالة على المعنى.
قال : مقدّمة ـ لمّا ثبت أنّ العصر لم يخل من إمام معصوم ، فكلّ أمر اتّفق عليه الأمّة في عصر ممّا لا يخالف العقل كان حقّا ، فإجماع الأمّة حقّ.
أقول : إنّما ذكر المصنّف هذه المسألة هنا لأنّها أحد مقدّمات الدليل الآتي. وإجماع الأمّة عبارة عن اتّفاق العلماء من أمّة محمّد صلىاللهعليهوآله على أمر من الامور (٢). ولم يخالف في كونه حجّة أحد إلّا النّظّام (٣).
واستدلّ الجمهور على [حجّيّته] (٤) بقوله عليهالسلام : «لا تجتمع أمّتي على خطأ» (٥). وأمّا
__________________
١ ـ أوائل المقالات : ٧٤ ، الذخيرة في علم الكلام : ٤٣٧ ، قواعد العقائد للمحقّق الطوسيّ : ٣٥ ، كشف المراد : ٢٨٨.
٢ ـ الإجماع هو الاتّفاق في عصر على أمر من الامور من جميع من هو أهله. وفي اصطلاح الاصوليّين : اتّفاق خاصّ ، وهو اتّفاق العلماء من أمّة محمّد. وعرّفه ابن حزم بأنّه ما تيقّن أنّ جميع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله عرّفوه وقالوا به ، ولم يختلف منهم أحد.
واتّفق أكثر المسلمين على أنّ الإجماع حجّة شرعيّة يجب العمل به على كلّ مسلم ، خلافا للنّظّام من المعتزلة. رسائل الشريف المرتضى (المجموعة الثانية) : ٢٦٢ ، المحلّى لابن حزم ١ : ٥٤ ، الإحكام في اصول الأحكام : ١٧٠ ، مفتاح الباب في شرح الباب الحادي عشر : ٧١ ، كشّاف اصطلاحات الفنون ١ : ٢٣٩.
٣ ـ إبراهيم بن سيّار بن هاني البصريّ ، أبو إسحاق النّظّام ، من أئمّة المعتزلة. انفرد بآراء خاصّة ، تابعته فيها فرقة من المعتزلة سمّيت «النظّامية». لسان الميزان ١ : ٦٧ ، الأعلام للزركليّ ١ : ٤٣.
٤ ـ في النسخ : حجّته ، والصواب ما أثبتناه.
٥ ـ الحديث ذكره ابن ماجة بلفظ «لا تجتمع أمّتي على ضلالة». والحاكم في المستدرك بلفظ «لا يجمع الله هذه