ولا شكّ أنّ هذه المعاني كلّها لازمة ومعلولة للقيام بكمال الطاعات واجتناب المقبّحات الذي هو معنى التقوى لقوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (١). إذا عرفت هذا ، فاعلم أنّه لمّا وجب عصمة الأنبياء والأئمّة وجب حصولهم على كمال الطاعات واجتناب كلّ المقبّحات ، فلا جرم كانوا أقرب بالمعاني المذكورة.
الثالثة : أنّه تقدّم وجوب كون الإمام أفضل من رعيّته ؛ لما قلناه من الاحتياج إليه. ولأنّه لولاه لكان إمّا مساويا ، فيلزم الترجيح بلا مرجّح ، أو مفضولا وهو قبيح عقلا وشرعا ، لقوله تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢).
إذا عرفت هذا فالإمام لمّا كان من رعيّة النبيّ صلىاللهعليهوآله ـ لأنّه محتاج إليه في التكميل ـ وجب كون النبيّ أفضل منه ؛ لما قلناه. هذا تقرير كلام المصنّف رحمهالله ، وليس فيه هضم لمنصب الإمامة كما تراه ، لا كما ظنّه بعضهم حتّى قال : إنّ عليّا عليهالسلام نفس النبيّ صلىاللهعليهوآله لقوله : (وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ) في آية المباهلة (٣). وإذا كان نفسه لا يكون نسبته إليه كنسبة الرعيّة في النقص.
قلنا : كونه نفسه أو كنفسه لا يمنع من احتياجه إليه في تحصيل الكمالات العلميّة والعمليّة الذي هو مرادنا ؛ فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله أفضل منه بذلك الاعتبار. ومن تصفّح كلام عليّ عليهالسلام ظهر له حقيقة ما ذكرناه ، كقوله : وقد قيل له : لقد اوتيت علم الغيب؟ فقال : «ليس ذلك بعلم غيب ، إنّما هو علم علّمه الله نبيّه ثمّ علّمنيه» (٤) ، وكقوله عليهالسلام في وصف حاله مع النبيّ صلىاللهعليهوآله : «يرفع لي كلّ يوم علما من أخلاقه» (٥) ، إلى غير ذلك. والحكم الفاصل بينهما ما حكاه عليّ عليهالسلام أنّه قال له : «يا عليّ إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، لكنّك
__________________
١ ـ حجرات / ١٣.
٢ ـ يونس / ٣٥.
٣ ـ آل عمران / ٦١.
٤ ـ نهج البلاغة : ١٨٦ الخطبة ١٢٨.
٥ ـ نهج البلاغة : ٣٠٠ الخطبة ١٩٢.