الحسّ المشترك والخيال والوهم والحافظة والمفكّرة.
وأمّا المحرّكة فهي إمّا اختياريّة أو طبيعيّة. فالاختياريّة إمّا باعثة ، فإمّا أن تحثّ على جلب النفع وهي الشهوانيّة أو على دفع الضرر وهي الغضبيّة. وإمّا فاعلة وهي القدرة التي تفعل بانضمام الإرادة إليها. والطبيعيّة إمّا عاديّة أو مولّدة. وتخدمها قوى أربع : الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة ، فتبارك الله أحسن الخالقين.
ثمّ إنّه جعل زمام الاختيار بيده ، ولم يجعله مرخى العنان مهملا كغيره من الحيوانات ، بل كلّفه بتكاليف شاقّة ، وخصّه بألطاف خفيّة كالعقل الذي يعلم به حسن الأفعال وقبحها ، وجليّة كبعث الرسل ونصب الأئمّة.
ثمّ إنّه لمّا استحال على هذا الفاعل الحكيم العبث وفعل القبيح وجب أن يكون ذلك الخلق والإنساء لغرض لا يعود إلى الفاعل الحكيم ؛ لاستغنائه وكماله ، فوجب عوده إلى هذا الإنسان. وليس مفسدة له لاستحالة ذلك على الحكيم فيكون مصلحة. وليست إلّا نوع كمال وهو المنافع الدائمة المقارنة للتعظيم والتبجيل ، بل أعظم من ذلك وهو الفوز بالرضا منه تعالى كما قال : (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) (١).
لكن ذلك لا يحصل إلّا بالكسب ؛ لأنّ العقل الصريح يحيل الرضوان والتعظيم لغير مستحقّه. ولأنّه لو أمكن حصوله بدونه لخلقه عليه ابتداء ، فكان توسّط التكليف عبثا ، تعالى الحكيم عنه. فإذن المقصود بالذات الفوز بتلك السعادة ، والحصول على ذلك الرضوان المستحقّ ذلك بالكسب ، فيكون لذلك الإنسان حالان :
أحدهما : الكسب ، وهي دار الدنيا.
وثانيهما : الجزاء ، وهي الدار الآخرة المعبّر عنها ب «المعاد» ، كما يعبّر عن الأولى ب «دار التكليف».
قال : مقدّمة ـ الذي يشير إليه الإنسان حال قوله : «أنا» ، لو كان عرضا لاحتاج إلى محلّ يتّصف به ، لكن لا يتّصف بالإنسان شيء بالضرورة ، بل يتّصف هو بأوصاف غيره ، فيكون جوهرا. ولو كان هو البدن أو شيئا من جوارحه لم يتّصف بالعلم ، لكنّه
__________________
١ ـ التوبة / ٧٢.