الكلّيّة فيكون حقّا ، لعصمتهم. والجنّة والنار المحسوستان كما وعدوا بهما حقّ أيضا ؛ ليستوفي المكلّفون حقوقهم من الثواب والعقاب. وكذلك عذاب القبر والصراط والكتب ، وإنطاق الجوارح وغيرها ممّا أخبروا به (من أحوال الآخرة) (١) حقّ ؛ لإمكانها. وإخبار الصادق بها.
أقول : في هذا الأصل مسائل :
الأولى : وجوب حشر الأجساد ، لما تقدّم بيان إمكانه ، والممكن لا يجب وقوعه إلّا بسبب خارجيّ. ودليل وجوبه أنّ الأنبياء عليهمالسلام أخبروا بوقوعه ، وكلّ ما كان كذلك فهو واجب الوقوع ، أمّا الصغرى فظاهرة لمن نظر في الكتب الإلهيّة وتواتر النقل عنهم به خصوصا كتابنا العزيز ، وأمّا الكبرى فلعصمتهم الدافعة للكذب عنهم ، هذا مع أنّ ذلك موافق للمصلحة الكلّيّة ، كما تقدّم تقريره من الغرض في خلق الإنسان.
الثانية : يجب اعتقاد وجود الجنّة والنار المحسوستين ؛ لدلالة القرآن على ذلك كقوله تعالى في الجنّة : (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (٢). والإعداد يستلزم الوجود ، وقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) (٣). وأيضا ليستوفى المكلّفون حقوقهم من الثواب والعقاب. وإنّما قيّدهما بالمحسوستين ليدفع بذلك تأويل منكر المعاد الجسمانيّ بحمل الوعد والوعيد على الروحانيّ ، وهو باطل ؛ لأنّا نعلم ضرورة من دين محمّد صلىاللهعليهوآله أنّه كان يقول بالمعاد الجسمانيّ والجنّة والنار ، ويحكي ما فيها من المأكل والمشرب والمنكح ، وأنّه دخلها ، فإنكار ذلك خروج عن الملّة.
الثالثة : يجب اعتقاد وقوع هذه الامور وهي عذاب القبر ونعيمه والحساب والصراط والكتب وإنطاق الجوارح وكيفيّات النعيم والجحيم وغير ذلك ؛ لأنّها امور ممكنة موافقة للمصلحة واللّطفيّة ، والصادق المعصوم أخبر بها ، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ.
قال : هداية ـ إعادة المعدوم محال ، وإلّا لزم تخلّل العدم في وجود واحد ، فيكون
__________________
١ ـ ما بين القوسين من الفصول النصيريّة.
٢ ـ آل عمران / ١٣٣.
٣ ـ غافر / ٤٦.